عبدالرحمن العامري

الشياطين الإلكترونية؟!

لا شك أن التطور التكنولوجي بات يتسارع من حولنا بشكل مستمر؛ حيث لا يتوقف عن إنتاج كل ما هو جديد وجذاب للأطفال والشباب على حد سواء؛ حيث أصبحت تلك الألعاب الإلكترونية الشغل الشاغل لجيل هذا الزمان، وباتت أقرب لهم من العالم الحقيقي بسبب اعتمادها على الخيال الافتراضي، وتأثيرها البصري والحركي والصوتي عليهم.

وفي ظل هذا التطور التكنولوجي والانفتاح الفضائي الرهيب الذي يشهده العالم اليوم؛ أصبح الأطفال والشباب من الجنسين يمتلكون اجهزة ألعاب إلكترونية وهواتف محمولة خاصة بهم، يستطيعون من خلالها تصفح كافة المواقع، وتحميل جميع البرامج والألعاب التي يرغبون بها، ومتابعة كل من يستخدم هذه الألعاب من الغرباء والدخلاء الذين لا يعرفونهم، ولا يعلمون شيئًا عن شخصياتهم وحقيقتهم؛ حيث يتواصلون، ويتبادلون المعلومات معهم وربما حتى الأحاديث ففتحت تلك الأجهزة أبوابًا كثيرة كانت من قبل مستحيلة.

ورغم إيجابية هذه الألعاب في بعض الجوانب، والتي تتمثل في تنمية مهارات استخدام التقنية وإتقان أدواتها، وتنمية مهارات التفكير والاستفادة منها في اكتساب بعض اللغات في بعض الأحيان، إلا أن ثمة انعكاسات سلبية نفسية واجتماعية وصحية على الأبناء كآلام الرقبة والتشنجات العضلية في الظهر وألام الذراع واليدين، يضاف إلى ذلك أن التعلق بهذه الألعاب يُحدث خللًا في إشباع حاجات الطفل الاجتماعية وخاصة العلاقات الأسرية، وتكوين الصداقات، والحاجة إلى التقدير وتحقيق الذات، لينعكس ذلك واضحًا على مهاراته المعرفية والاجتماعية.

وعطفاً على ما سبق فإن قضاء ساعات طويلة أمام الهواتف الذكية وألعاب الإنترنت دون مراقبة من الأسرة يزيد من مخاطر الانطوائية والعدوانية والعزلة لدى الأبناء، ولربما تطورت الحالة إلى بعض الأمراض النفسية، لا سيما بعد ترويج العديد من الألعاب الإلكترونية التي دفعت ببعض المراهقين إلى الانتحار، وارتكاب بعض السلوكيات الدخيلة على المجتمع، فجعلتهم أكثر عدوانية يمارسون سلوكياتٍ غريبة لم تكن موجودة من قبل في مجتمعاتنا، ولا تتناسب مع ديننا الإسلامي الحنيف.

وإذا ما وضعنا هذه الظاهرة تحت المجهر وأخضعناها للفحص الدقيق؛ فإننا سندرك أن من أهم الأسباب الجوهرية التي أدت إلى نشوئها تكمُنُ في غياب الرقابة الذاتية والأسرية على تلك الأجهزة الإلكترونية، وعدم متابعة المواقع التي يزورها الأبناء، وترك الحبل على الغارب دون رقيب أو توجيه، إما بسبب انشغال الآباء والأمهات في أعمالهم أو لبعدهم العاطفي عنهم، فتحولت هذه الأجهزة الصغيرة إلى قنابل موقوتة في أيدي فلذات الأكباد؛ حيث إن هذه الألعاب لم تعد للتسلية أو للترويح عن النفس، بل أصبحت أدوات لغسيل العقول، وأسلحة موجَّهة بعناية دقيقة لإفساد الشباب، ربما يقف وراءها منظمات عالمية مشبوهة، تهدف إلى تغيير سلوكيات النشء، وتوجيه تفكيرهم، ونظرتهم للحياة وبناء مجتمعات تتوافق مع مبادئهم وقيمهم التي يسعون لنشرها؛ بحيث تتماشى مع أهدافهم وخططهم الشيطانية المدمِّرة للأسرة وكيانها.

ومن هنا فإننا ندق ناقوس الخطر، وندعو مراكز الدراسات المتخصصة إلى تسليط الضوء على تلك الألعاب، وبيان مدى تأثيرها خصوصًا على الناشئة الصغار، ونشر نتائج تلك الدراسات في وسائل الإعلام المختلفة، وتدريسها في المناهج التعليمية ليطلع الجميع على خطورة هذه الألعاب التي باتت تقتحم خصوصيات الأبناء، وتسيطر على أفكارهم وتغيير قناعاتهم، وتغرس أفكار جديدة في عقولهم.

وختام القول.. فإن مواكبة التكنولوجيا الحديثة هي واقع لا يمكن تغييره، ولكن ثمة طرق وقائية ورقابية للحد من انتشار خطورة هذه الألعاب الإلكترونية التي أصبحت بكل آسف ظاهرة متفشية في ظل تسارع وتيرة التطور التكنولوجي، وتنافس شركات الألعاب الإلكترونية من أجل الوصول إلى أكبر عدد من المشتركين؛ لتداول تلك الألعاب، ومن تلك الوسائل الوقائية التي يجب أخذها بعين الاعتبار: تشجيع الأبناء على المشاركة في الأنشطة الرياضية والمهنية اليومية بعيدًا عن الشاشات الإلكترونية، والحرص كل الحرص على تحديد أوقات لجلوس الأسرة مع بعضهم البعض، والعمل على اكتشاف مواهب الأبناء وصقلها، وعدم السماح باستخدام تلك الألعاب الإلكترونية في مكان منعزل كما ينبغي تحديد الوقت المخصص للعب بها ومقدار المال الذي ينفق عليها حتى لا تكون تلك الأجهزة القشة التي قصمت ظهر البعير .

وخزة قلم:
الثقة العمياء، وعدم متابعة الأبناء تعد جريمة بشرية نكراء !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى