المقالات

أهرامات التمريض

الأهرامات معروفة بمصر بقوتها وعظمتها ومرجعيتها التاريخية؛ ولذلك تعوَّدنا أن نطلق على كل ذي مكانة أنه “هرم”، وسأسرد قصة مررت بها اُستخدمت فيها مقولة “أهرامات التمريض”.

كنا يومًا مجتمعين في مكتب عميدة الكلية الدكتورة حسنة بنجر (رحمها الله)، ودخلت علينا الدكتورة إلهام النقشبندي فوقفت لها؛ فأشارت بيدها توجهني للجلوس، وتلومني على فعلي؛ فقلت لها: كيف لا نقف لأهرامات التمريض؟! وأشير عليهن فأخذت تضحك مازحة وتقول: أسماء الأهرامات بمصر “خوفو” و”خفرع” و”منقرع”، وتشير إلى نفسها، والدكتورة حسنة (رحمها الله)، والدكتورة شادية عبدالله. تعالت الضحكات الجميلة في أصداء المكتب، ومن جمال الضحكات إلى هذه اللحظة ترن في أذني، وتطرب مسامعي.

كل من يعرف مؤسسي التمريض وقياداتها الأوائل بجامعة الملك عبد العزيز يعرف مكانتهن، وليس بقليل أن يطلق عليهن “أهرامات التمريض”. فهن أهرامات بالعلم والأخلاق والتعامل، ولهن بصمات كبيرة للتمريض، وهانحن ذا نودعهن واحدة تلو الأخرى. سأخص بمقالتي هذه الدكتورة إلهام النقشبندي، والتي أعتبرها “أم التمريض” لما لها من إسهامات متعددة وبصمات مازالت تعكس الولاء والعمل الدؤوب والتحفيز للعطاء لمهنة التمريض. فالدكتورة إلهام أول من يحصل على درجة الدكتوراة في التمريض بالمملكة، وأول بروفيسورة امرأة للتمريض على مستوى المملكة. كل من يعرفها تدخل قلبه برقتها وسمو أخلاقها وهدوئها. لديها أسلوب القيادة الناعمة، وبحب لعطفها على الجميع. نشاركها همومنا وأحلامنا ومشاكلنا، ونعتبرها كالأم التي نلتف حولها مهما كبرنا، وشاب شعرنا.

تجمعني بالدكتورة إلهام ذكريات متعددة منذ كنت طالبة بقسم التمريض بجامعة الملك عبد العزيز، ولن تكفي مقالة لسرد ما في جُعبتي لها. سأعود بالذكريات لعام ١٩٩٥م حين علمت الدكتورة إلهام بخطوبتي، وأنا في السنة الأولى تمريض، واستدعتني لمكتبها للتحدث في ذلك، وحين تم استدعائي خفت وارتبكت ويدور عقلي الصغير حينها مفكرًا متسائلًا ؟؟! ماذا فعلتِ أيتها النفس ليتم استدعاؤك!!؟ وحين دخولي لمكتبها الجميل، أخبرتني أنها علمت بخطوبتي، وتود الاطمئنان أن الارتباط لن يكون عائقًا في استكمال الدراسة، والأهم من ذلك أن لا يكون سببًا لتركِ للتمريض، وأخذت تسأل عن عريس المستقبل وتستفسر، وتنهال، وتتدفق الأسئلة والتساؤلات، وقدمت النصائح والتوجيه والحمدلله كان لي معها وعود بالاجتهاد، والتمسك بالتمريض ما حييت.

الدكتورة إلهام أبدعت في الإرشاد والتوجيه ليس لي فقط، ولكن لجميع من أعرف في شعبتي. في يومنا هذا قد يستصعب الأستاذ للتدخل في الأمور الشخصية للطالب لهذه الدرجة!! والبعض قد يعتبره خطًا أحمر لا يتجاوزه حتى وإن كان ضروريًا متجاهلًا أن مكونات الإرشاد تشمل النواحي الأكاديمية والاجتماعية والنفسية، والأستاذ الواعي لا ينتظر التعثر ليرشد بل يكون متلمسًا داعمًا موجهًا للطالب من البداية؛ ليضعه على الطريق الصحيح، ويبعده عن مسار التعثر الأكاديمي، والذي تميزت فيه الدكتورة إلهام بلا منازع.

الذكرى الأخرى في عام ١٩٩٧م حين أحضرت الدكتورة إلهام بيتزا، وقسمتها علينا مجموعة من الطالبات، وكان طعم البيتزا خرافيًا، وفيها طعم لم أعهده فسألتها عن الوصفة، وأخبرتني أنها وضعت فيها الأوريغانو، ولكم أن تتخيلوني لإدراكي لأول مرة لهذا النوع من النكهات؛ حيث لم يكن في ذلك الزمن التنوع في المطاعم والزخم في الأطعمة كأيامنا الحالية، وشكرنا الدكتورة إلهام على بيتزتها الجميلة، وذهبنا في طريقنا وعدنا اليوم الذي يليه لنجدها أحضرت لنا بيتزا مرة أخرى لإدراكها بفطرة الأم أننا نرغب بتذوقها مرة أخرى. لم تغذِ البيتزا بطوننا فقط بل عقولنا الصغيرة كذلك؛ فأحببنا البيتزا ومن أحضرها وخبزها، وأحببنا التمريض وكل ما يعكسه. إنها بيتزا بيتية مصنوعة بيد محبة تحمل في طياتها الكثير من العبرة لأقول: أتعبني من بعدك بروف إلهام وتظلين قدوة بأخلاقك وكرمك.

على قدر أننا حزينون لتقاعدها، ولكننا سعيدون لها، ومن أجلها متمنين أن تكون حقبة التقاعد جميلة مثل جمال روحها وعطائها، وستظل في عيوننا هرمًا من أهرامات التمريض.

Related Articles

2 Comments

  1. ماشاءالله تبارك الرحمن كلام جميل يشرح الصدر دكتورة أحلام الزهراني
    فعلا هذا ماعهدنا عن الدكتورة إلهام نقشبندي????

  2. اسال الله لك مكانه في حنية و عبق و إحساس كلمات هذي المقاله في قلوب جميع من يقابلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button