كانت عوالمنا تتمحور حول عائلاتنا ومجتمعاتنا المحيطة. كبرنا واتسعت علاقاتنا، وبالتالي كبرت مجتمعاتنا ومحاور اهتماماتنا، وأبحرت الأعين الصغيره لآفاقٍ أكثر اتساعًا وأعمق، فكريًا وثقافيًا نهجًا وسلوكًا، وحتى ترامت لأبعد من ذلك (طموحات وأحلام ومفاهيم).
توسعت الآفاق الحالمة لطموحاتٍ ماعهِدَها من سبقونا، وكل ذلك أمرٌ طبيعي، فمتطلبات الحياة في تغيرٍ مستمر، واتجاهات العلم كذلك.
والأساس بكل ماسبق، وكل ماهو قادم اكتساب معرفة وخبرة تنمو وتصقلها أيامنا، ليس محض صدفة، وإنما بدعم ومساندة من أكاديميات معرفية، وإن بسطنا التعبير؛ فهي من أبجديات نتعلمها مع أول التحاق لنا بالتعليم.
ومهما اختلفت مسميات هذه المباني، فما هي إلا تعليم وانخراط في مجتمعٍ أكبر من عائلتنا؛ ليتمم لنا مواهبنا، ويغرس أساسيات الطموح، ويرسم خطوطًا واضحة لمستقبلٍ، نحلم أن تطاله أيدينا وروح المنافسة، تتنامى بداخلنا وإثبات وجودنا له منا أولويات وأحقية.
***
سؤال يؤرقني: هل مازال لتلك الأكاديميات وجود؟
هل لروح المنافسة وجود؟
هل لدور التعليم والانتماء لها تقدير؟
هل مازل لحماس الالتزام وكسب المعلومات أهمية؟
هل للزي المدرسي فرحته واقتناء مسلتزمات الدراسة من حقيبة إلى أقلام ودفاتر وأشياء تميز أحدنا عن الآخر ذاك الحماس؟
هل مازال لرحلة الذهاب للمدرسة، وتكوين الصداقات، وانتقاء المقاعد، وتسابقنا لكسب فرصة الإجابة والمشاركة بحماس وحب وشغف؟
وهل، وهل، وهل؟!
***
قديمًا كان عقابي عن أي تصرفٍ استحق عليه العقاب أن أُحرم من الذهاب للمدرسة، أو أن أُحرم من مصروف اليومي، أو ربما أن لا أُشارك بفعالياتٍ أو رحلاتٍ مع زميلاتي.
واليوم وياللأسف على جيل هذه الحقبة، وياللأسى على سهولة التعليم وضعف الانتماء.
***
حقًا موجع ما يكابده من لا يعرفون معنىً حقيقيًا لروح المنافسة، ومن لا يعرفون قيمة تلقي المعلومات، وكبد البحث للفوز بالتميز بعد جهدٍ جميل وإنتاج أجمل.
تُرى من المسؤل عن كل ذلك؟ عن فقد الانتماء وعن الزعزعة وعدم الاستقرار؟ هل من الأسباب تغيير أنظمة وجدولة الدراسة؟ ما أن يلتزم الطلاب إلا وجاءت إجازة، وما أن تأتي الإجازة إلا وعادوا لمقاعد الدراسة، وما أن يعودوا إلا ونصف المدرسة متغيب، والنصف الآخر متهاون (وهكذا). ألا يدعو كل ذلك للشتات؟
**
بلا أي اتهامات وبلا أي تحيز أو التعامل معهم بندية، يبقى صغارنا صغارًا مهما كبروا طالما أنهم ملتزمون أماكنهم في صفوف الطلبة، هم لا يعلمون كيف يقننون، وبحاجة ملحة جدًا للتوجه- للتقنين – للقولبة، كما كُنا وكما تعلمنا.
فمنذ متى كان الطب أو الهندسة أو حتى الحساب أو اللغات تلقن عن بعد !؟ بلا ممارسة عمليه وبلا اكتساب فعلي وعملي؟
***
أكرر أني أُنادي، ولا أوجه الاتهام … أنادي بالتواجد والالتزام، وأنادي بالتقنين؛ ليشعر كل كيانْ صغير بروح الإنجاز بعد جُهدٍ مبذول.
والكل يعلم أن ما يأتي بسهولة سريعًا ما يذهب ..
ولن نقف مكتوفي الأيدي؛ لنرى قممنا المستقبلة تركض خلف تفاهات الأمور وتفاهات من ينتشرون بمجتمعاتنا، وينشرون سخافاتهم؛ ليكونوا قدوة وهم حقًا (لا شيء).
وواجبنا نحو كل فقاعة مسمومة أن نمحو وجودهم وأن نُلغي تداولهم، ليبقى فقط من يستحق البقاء، ويكون بفكره الناضج ونماء عقله طريقًا تخطو خلفه أقدام من يتخبطون ولا وجهة لهم كي ينتمون.
***
عمر جميل مضى، وحصلنا فيه العلم الكامل وتخصصنا لنتكامل لا لندّعيَ الكمال.
فلا يوجد من يعلم كل شيء؛ لأنه وببساطة تلك هي حكمة الخالق في كل خلقه.
دعونا فقط نوجه ونُقنن وندعم (ليخرج من بعدنا أجيال تعلم لتعمل بما تعلمت، فتنفع بعلمها وتتمسك بقيمها ولا تمر فتضر).