عبدالرحمن الأحمدي

مابين تأسيس وتوحيد وطن خالد

فوضى تجاوزت اختلاتها كل الحدود، وتاهت فيها أسمى الآمال، وضوضاء أحكمت أوتادها في أدنى وأقصى الثرى وعنان السماء، وغابت الرؤية الصائبة لمعظم الأمور الجليلة، وأصبحت الأهداف المرجوة لاوجود لها تماماً. وخوف غالب كامل النفوس، وأوجد في الأعماق الخشية العظيمة والرهبة الأليمة، وبؤس شاع واستمد الآمه المنهكة من أي ماكث أو أي نابض، وتوجس مؤلم يحيط بعميق الأذهان المتوجسة من كل ساكن هنا أومن كل متحرك هناك لافرق أبداً كلاهما في الحد سواء، وجهل مضاعف بات واقعاً بين أغلب الناس وأضحى العيب كل العيب في العلم والمعرفة وأصحابهما، وقتل مقصود ومتعمد في وضح النهار لأتفه الأسباب أو أعظمها ويشتد في عتمة الليل، والنفوس البريئة تعلم أو حتّى لا تعلم لأي سبب قتلت، ولأي سبب أوذيت حتى طاب الموت لها من الحياة، وحلت فرقة في جمع الورى وزاد الوضع سوءاً وعم إلي أن وصل إلى جميع أرجاء الوطن، وتشتت أصبح أكثر ألما فقد ارتحل مضطراً القريب وغير القريب إلي أرض بعيدة غير معتادة، إلي أرض غريبة؛ لتسعه أو تكون ملجأ يحميه، ودب الحزن في العقول المحتارة والصدور المرتجفة حتى ضاقت الآفاق بما وسعت. فلا أمن يرتجى بين الناس ولا أمان يرى في أعينهم، وأصبح لسان الحال: “اللهم سلم.. سلم”وهذا بالتأكيد بعد البعد عن كتابه وسنة نبيه وعن غياب من يحمل راية الدين ويعمل لدنياه وفقاً لما يمليه عليه دينه.

فكان الموعد الأول الذي لا ينسى لثلاث قرون مضت.. موعد العهد العتيق والوعد القديم بين الإمام الصالح والشيخ الزاهد، بين من نال الإمارة بقوة وعزيمة وبين من أراد للدعوة الحق والنور بين الورى؛ لينزع الجهل والظلام من نفوس الناس بأمر خالقه وبتمكن وتمكين السلطان فبالسلطان يرتدع الناس أكثر مما يرتدعون بالقرآن. وكانت الدرعية هي التاريخ الخالد والمكان الدائم وكانت هي البداية لبدايات أخرى، فما ارتحلت البداية الأولى حتى عادت البداية الثانية بفضل الله بعد سبع سنوات عجاف وهنا إمام جديد ولكن على نفس العهد العتيق وعلى نفس الخطى المباركة من التمسك بأهداب الدين القويم ومبادئ المجتمع في حضرة وطن غالٍ في حضرة وطن شامخ في حضرة وطن زاهر ومن ثمّ كان أمر الله في الارتحال الأخير ولم تمضى أيضاً سنوات لم تتجاوز العشر حتى عاد بصورة عظيمة ومختلفة فارس التوحيد الإمام عبدالعزيز ليكن العنوان الواضح: “مابين التأسيس والتوحيد وطن خالد”. ونحن تعلقنا بأرضه فأصبح حبه يسري في مجمل عروقنا، تعلقنا بماضيه التليد فأصبح هذا الماضي مصدر فخرنا وعزنا، تعلقنا بحاضره المجيد فأصبح هذا الحاضر نبراساً لحياتنا ومستقبلنا وبين مسافات الماضي والحاضر ظهر النور المشرق بعد الظلام الدامس، وبدأت الوحدة بعد الضياع، وشاع الأمن والأمان بعد الخوف والوجل، وحل الاستقرار والبناء بعد تشتت وهدم فالحمد لله على وطن يسود فيه الحب والخير والسلام حتى يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى