عبدالله غريب

من بيوت الطين إلى مشروع مدينة نيوم !

هل تخيل الإمام محمد بن سعود – يرحمه الله – مؤسس الدولة السعودية الأولى – الذي جعل من الدرعية حينها مقرا لإمارته على مساحتها المحدودة – بأن الجزيرة العربية بكامل حدودها البرية والبحرية والجوية ستكون الدولة التي تقدر مساحتها تزيد عن مليوني كيلو متر مربع وأنها ستكون دولة منافسة للدول المتقدمة بمئات السنين وأن هذه الدولة سيكون لها عاصمة هي الرياض بمساحتها الشاسعة التي تقدر بـ 973و1كم2 بعد أن بدأت عاصمته في منطقة مبنية من الطين في الدرعية على مساحة محدودة على ضفاف وادي حنيفة تحفها بعض القرى والهجر المتناثرة يتوسطها قصر سلوى الذي كان اللبنة الأولى التي شيدت في عهد الإمام وعدد من القصور الأخرى المحاطة بسور وجميعها بنيت من الطين وأصبحت اليوم من المعالم التاريخية التي بنيت في القرن الثاني عشر ومنها حي الطريف الذي ضمته منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة موقع تراث عالمي كثاني موقع إلى جانب مدائن صالح حيث حظي هذا القصر باهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان منذ كان أميرا للرياض رئيسا للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض الذي أولاه عنايته الخاصة من التعمير والتطوير تحت إشراف مباشر من الهيئة ومع هذا فقد حافظ على جمال بنائه الفريد من حيث الشكل الخارجي والتفصيلات الداخلية والساحات المحيطة به والخدمات المساندة ومن بينها المتحف بحصن المصمك .

مرت المملكة بمرحلتين دولية هي الأولى والثانية في قرنين وظل آل سعود يصبرون ويجاهدون من أجل تحقيق الهدف الذي رسموه ويريدونه بعد إرادة الله سبحانه وظل الاهتمام ينصب حول استرجاع الملك من مرحلة لأخرى والعين تراقب الحرمين الشريفين في مكة والمدينة وتراقب حدود البلاد وهذا لم يأت من فراغ لولا عناية الله وحرص الإمام محمد بن سعود – يرحمه الله – على أن تقوم دولته على منهج واضح يجمع بين الدولة المدنية والدين الإسلامي القويم بمشاركة الإمام محمد بن عبد الوهاب – يرحمهم الله – وكان هناك مد وجزر في مرحلتي قيام الدولة السعودية الأولى والثانية حيث دامت الأولى أربعين عاما ثم جاءت الدولة السعودية الثانية لتكمل المسيرة بعد عامين من نهاية الأولى حيث شهدت نهايتين الأولى بعد أشهر من قيامها في عهد الأمير مشاري بن سعود تلتها قيام الدولة بنجاح في عهد الإمام تركي بن عبد الله الذي جعل عاصمته الرياض فيما ظلت الدولتان محافظة على أسس وأهداف قيام الدولة بالمحافظة على الدين الإسلامي وتطبيق شريعته ونشر الأمن والاستقرار في أنحاء البلاد مع جرعات جديدة في النظام بوجه عام حتى انتهت الدولة السعودية الثانية .

وفي عام 1319هـ قبل قرن وربع تقريباً تمكن الملك عبد العزيز – يرحمه الله – من العودة للرياض واسترداد ملك آبائه وأجداده لتشهد البلاد نقطة تحول بقيام دولة سعودية ثالثة حديثة انطلقت أولى طلائع نجاحها عام 1351هـ بصدور مرسوم ملكي بتسمية البلاد وتوحيدها بـ ” المملكة العربية السعودية ” اعتبارا من 21 جمادى الأولى من نفس العام وبهذا أصبحت المملكة بحنكة الملك عبد العزيز ورجاحة عقله وقراءته لما حدث للدولة في مرحلتيها المنتهية وحتى تكون دولته ذات شأن دولي فقد انضمت لكثير من المنظمات الدولية والهيئات العالمية بعد أن وقع الملك المؤسس العديد من الاتفاقيات التي تربط بين دولته وبين دول العالم ومن أهمها التوقيع على ميثاق هيئة الأمم المتحدة عام 1345هـ وبادر – يرحمه الله – بالمساهمة في تأسيس كثير من الهيئات والمنظمات العالمية التي تحافظ على الأمن والسلام والاستقرار والعدل ومنها جامعة الدول العربية عام 1364 هـ وظلت الدولة في منعة في عهد الملك حتى انتقل إلى جوار ربه عام في الثاني من ربيع الأول عام 1373هـ ثم واصل أبناؤه من بعده السير على خطى والدهم في عهود الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله يرحمهم الله وحتى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز – يحفظه الله – الذي انطلقت السعودية للعالمية وفق خطط تنموية ورؤية يقوم سمو ولي عهده الأمير الشاب محمد بن سلمان على تنفيذها حتى عام 2030م والأهداف تتحقق في وقتها حسب ما خطط لها .

واليوم من وجهة نظر الكثير من المحللين فالسعودية تعيش مرحلة رابعة لم تقم على أنقاض دولة بل تعزز مسيرة دولة تعيش الذكرى بمرور ثلاثة قرون على تأسيسها وتعيش اليوم الوطني الذي زاد عن واحد وتسعين عاما واليوم يكون الاحتفال بيوم تأسيس المملكة العربية السعودية الذي يعتبر تذكير بأمجاد هؤلاء الرجال من آل سعود الذين كانت همتهم تعنق النجوم بأن يكون لهذه البلاد كيانها المتميز بتميز من قامت على أكتافه قيامها وتأسيسها وتوحيدها في الوقت الذي يذكرنا بما وصلت إليه المملكة من رقي ومكانة سياسية واقتصادية وتأثيرية فضلا عن مكانتها الدينية باعتبارها قبلة ما يقرب من ملياري مسلم في أصقاع الأرض ومن نافلة القول لابد أن نقف على أبرز ما تحقق من منجزات حضارية ومن أهمها توسعة الحرمين الشريفين وتحقيق الأمن الشامل بجميع ما تعنيه الكلمة وتحديث الأنظمة والانتقال بها من اليدوية الورقية إلى الإلكترونية وإنشاء المجالس التي تعمل في مجالات خدمية لصالح الوطن والمواطن والمقيم وانتشار عشرات الجامعات في بضع سنوات وإنشاء السكك الحديدية والطرق التي زادت أطوالها أكثر من واحد وسبعين ألف كيلو متر بمواصفات ومقاييس عالمية ربطت أنحاء المملكة ببعضها وبالدول المجاورة إطلاق رؤية المملكة 2030م التي تحتضن حزمة من الإصلاحات في مجالات التعليم والصحة وحقوق المرأة ومجالات الاقتصاد والطاقة والرياضة والفضاء والأقمار والاتصالات والإعلان عن مشروعات كبرى ومنها مشروع مدينة نيوم عابر الحدود الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في الرابع من صفر عام 1439هـ شمال المملكة على مساحة تقدر بـ 26500كم2ضمن رؤية المملكة إلى جانب مشروعات صناعية وتطويرية للبنية التحتية التي ترتبط بحياة المواطن ورفاهيته واستقراره .

انعطاف قلم :

أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن رؤية المملكة 2030م حققت إنجازات استثنائية حتى تاريخه وهذا ما لمسه المواطنون في مجالات الإسكان والسياحة وتنوع مصادر الدخل الذي ارتفعت به ميزانية المملكة هذا العام برقم غير مسبوق بلغ الفائض فيه تسعين مليار ريال، بعد ثمانية أعوام من العجز ، في الوقت الذي حققت نجاحا في التغلب على جائحة كورونا وحققت المركز الثاني عالميا في التعامل المرن مع الجائحة ، حفظ الله الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمين وحفظ المملكة وسكانها .

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button