يمتدُّ تاريخ المملكة العربية السعودية على أرض الجزيرة العربية؛ إلى ما يُقارب ثلاثة قرون من الزمان بدولها الثلاث، والتي شكَّل أول ملامحها الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- عندما أسس الدولة السعودية الأولى، بعد أن عانت الجزيرة العربية من الشقاق والنزاع، واستئثار الأعراق غير العربية بخيراتها، وتحكمهم في مقدراتها.
وقد مرت الدولة السعودية بثلاث مراحل تأسيسية عبر التاريخ؛ حيث تأسست الدولة الأولى قبل حوالي ثلاثمائة عام على يد الإمام محمد بن سعود، وسطرت سجلًا حافلًا بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي عاشها أبناء الجزيرة العربية آنذاك، ثم جاء تأسيس الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، والتي استمرت حتى أن قام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه- بتأسيس الدولة السعودية الثالثة وتوحيدها باسم المملكة العربية السعودية، ومن بعده أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمهم الله جميعًا، والذين مشوا على نهج والدهم في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها وصولًا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -أطال الله- في عمره وعمر ولي عهده الأمين.
لذلك فإن يوم التأسيس يعدُّ مناسبة وطنية، نستحضر فيه قيادة وشعبًا مسيرة ثلاثة قرون مضت بما تحمله من أحداث ومواقف خلدتها كتب التاريخ والسير، وبرزت معالمها على امتداد الجزيرة العربية إذ لم تكن دولة وليدة بل تشكلت على مدى قرون، ورسخت قواعد الدولة المتماسكة التي أرست دعائم الحكم، وجعلت أمن المجتمع، وتحقيق رغد العيش للمجتمع في مقدمة اهتماماتها.
وعلى الرغم مما شهدته شبه الجزيرة العربية إبان تلك الحقبة الزمنية القاسية من فوضى سياسية، وتفرق في البلدان والأقاليم وكثرة في الحروب والتناحر القبلي، إلا أن اليوم الذي أعلن فيه الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- تأسيس هذا الكيان الشامخ يعدُّ فصلًا جديدًا من فصول الازدهار والتطور في شبه الجزيزة العربية؛ حيث وضعت فيه بذرة هذا الكيان الشامخ الذي نعيش فيه الآن، وننعم بخيراته في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -سلمه الله- ورعاه وولي عهده الأمين -حفظه الله-.
ومع أن مملكتنا الحبيبة تحتفل في الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول من كل عام باليوم الوطني، في كافة مدنها ومحافظاتها وقراها منذ سنوات طويلة، إلا أنه لا يوجد تعارض بين هذا اليوم ويوم التأسيس فكلاهما يؤرخ لأيام تاريخية ومحطات مفصلية في تاريخ المملكة، قادت للحاضر المزدهر التي تشهده المملكة حاليًا، والمستقبل الزاخر الذي ينتظرها وفق رؤية ٢٠٣٠ بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده؛ بالإضافة إلى إبراز العُمق التاريخي والحضاري للمملكة؛ لتتعرف الأجيال الحالية على الجذور التاريخية لبلادهم، ويتعرف العالم أجمع على مدى عراقة الدولة السعودية وحضارتها العظيمة.
وختام القول..فإن هذا الحدث العظيم يعدُّ فريدًا من نوعه كونه الاحتفاء الأول بعد صدور الأمر الملكي الكريم الذي ينصُّ على أن يكون الثاني والعشرين من فبراير/ شباط من كل عام، يومًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية اعتزازًا بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- الذي جعل هذا اليوم ملحمة تحكي أمجاد أمة بدأت عام ١١٣٩هـ/1727م؛ فاستحق هذا التاريخ أن يستذكره كافة أبناء المملكة بكل تفاصيله؛ إذ إنه يُعبر عن تاريخ دولتنا العريق وماضيها التليد.