د. عبدالله علي النهدي

من سبق الآخر .. البيضة أم الدجاجة؟

من جاء أولًا.. البيضة أم الدجاجة؟ سؤال لطالما حيّر الناس منذ آلاف السنين عندما طرحه الفلاسفة الإغريق؛ في محاولة لتوضيح العلاقة بين الأحداث (السبب والنتيجة). ورغم أن مجموعة من العلماء قد توصلوا إلى الإجابة “العلمية” التي ستضع حدًا لذلك الغموض بحسب ما أكده فريق من علماء الفيزياء في جامعة كوينزلاند ومعهد نييل؛ حيث يزعم فريق الدراسة أن ظهور الدجاجة والبيضة قد جاء معًا في آن واحد، وهو إثبات يدحض طروحات الفلاسفة الإغريق الصعبة في محاولتهم الإجابة عن سؤال البيضة والدجاجة. ففي الدراسة التي نشرتها الجامعة على صفحة “يو كيو كويسشنز” قالت الدكتورة جاكي روميرو من مركز هندسة أنظمة فيزياء الكم لا تقود قضية السبب، والنتيجة التي عرفها الناس إلى نفس النتائج في مجال فيزياء الكم، مشيرة إلى أن فرضية البيضة ظهرت قبل الدجاجة أو العكس التي قام عليها الجدل الإغريقي ستحسم بشكل آخر في إجابات فيزياء الكم. حيث وجدوا الإجابة وبكل بساطة أنه “يمكن أن يأتي كلاهما أولًا”.

ومع ذلك نبقى كمسلمين لسنا في حاجة للاختلاف حول هذا الموضوع حتى وإن استخدمنا هذه الجدلية للاستشهاد بها في بعض المواقف المشابهة؛ إلا أننا نؤمن بأن المولى -عز وجل- قد خلق من كل زوجين اثنين؛ بل وحتى من ناحية علمية ودون الحاجة لما جاء به علماء فيزياء الكم فالمعروف أنه ولكي يتكون الصوص داخل البيضة فلابد من أن تكون البيضة مخصبة، وهذا يستلزم وجود الذكر (الديك) للقيام بعملية التخصيب؛ مما يعني وجود الدجاجة والديك قبل البيضة. ولن أتوسع أكثر في الحديث عن هذا الموضوع حتى لا آتيكم بالعجائب فكما قيل قديمًا: ”من تحدث في غير فنه فقد أتى بالعجائب”. لكن ما دعاني لتذكر هذه الجدلية التاريخية ليس لإدخالكم من جديد في ذلك الجدل البيزنطي، وإنما هو أن كثيرًا من الناس يصر على أن يقحم نفسه في هذه الجدلية في كثير من المواقف الواضحة التي لا تحتمل الاختلاف، ولا يوجد أي مسوغ للجدل حولها؛ حيث إن بعض القرارات الهوجاء التي لم يتم تحديد الهدف منها سوف تدخل متخذيها حتمًا في جدلية البيضة والدجاجة، وسوف نضرب على ذلك أمثلة:
أيهما أولًا السائق أم السيارة؟ يعني إذا أردت استقدام سائق للعمل لديك هل تستقدم السائق ثم تشتري السيارة أم العكس؟ من الطبيعي في البداية أن تحدد مهمة ذلك السائق وما مدى الحاجة إليه وما هي الأدوار التي سيؤديها وهل سيعمل سائق خاص بالأسرة أم سيعمل سائق في المؤسسة؟ وإذا كان سيعمل في المؤسسة؛ فهل سيكون سائقًا لسيارة صغيرة أم حافلة أم شاحنة أم قاطرة؟ وبناءً على المهام التي سيؤديها سوف يتم تحديد السيارة المناسبة، ومن ثم نختار السائق المناسب للقيام بتلك المهام، وبطبيعة الحال سوف نشترط امتلاكه للمؤهلات والمهارات التي تسهم في قيامه بالمهام المطلوبة بصورة أمثل.
كذلك الأندية الرياضية؛ هل تتوقع أن يتعاقد الفريق مع لاعب معين مهما كانت مهاراته وخبراته وشهرته دون أن يتم في البداية دراسة احتياج الفريق، ومناقشة المدرب لتحديد المركز الأضعف في الفريق ثم تدرس المواصفات المطلوبة في اللاعب القادم لشغل هذا المركز وما هي المهام المطلوبة منه، وبناءً على ذلك يتم اختيار اللاعب ثم تتم مناقشته والاتفاق معه حول الدور المطلوب منه؛ لأن من السذاجة أن تأتي الإدارة باللاعب وتوقع معه قبل المرور بالخطوات السابقة ثم تتوقع نجاحه. ولكي تتجنب المؤسسات الأخطاء الكبرى في اختيار الموظفين، أوصى الدليل العملي للموارد البشرية للباحثتين «شون سميث – ريبيكا ماينيليك» باتباع لعدد من الخطوات المهمة لاختيار الموظف الناجح، ومن ذلك: تحديد مسمى الوظيفة، وحصر مهام القائم بها، ومواصفاته الشخصية والعلمية وخبراته العملية وسيرته الوظيفية السابقة، ثم اختيار الشخص الذي ستتم مقابلته والوصول إلى مكامنه وجوانبه الخفية، ثم الاتفاق معه على حدود مهامه وراتبه وحوافزه ومهامه ومعدلات الإنجاز والتطوير.
لكن وبكل أسف ونحن نعيش في بداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين ومع ذلك مازال هناك من يضع العربة أمام الحصان؛ فلك أن تتخيل مؤسسة كانت! رائدة في التنمية والتنظيم؛ تنشئ أقسامًا جديدة دون أن تحدد الهدف من إنشائها ولم تحدد مهام واختصاصات الأشخاص الذين سوف يتولون إدارة تلك الأقسام، بل بمجرد إنشاء الأقسام تم مباشرة تكريم! عفوًا أقصد اختيار أشخاص لرئاستها، ثم يطلب من أولئك الأشخاص أن يضعوا لأنفسهم مهام على غرار مبدأ اخدم نفسك بنفسك (Help your self). وبالتالي ليست غريبة ولا تستبعد حالة الصراع التي تنشأ بين رؤساء تلك الأقسام كنتيجة حتمية لفوضى المهام؛ فالكل يريد السيطرة على المهام التي يظفر من خلالها على أكبر قدر من الغنائم التي يمكنه انتزاعها من البقية. حقيقة يعد مثل هذا الأمر حماقة إدارية بعيده كل البعد عن أدنى مبدأ من مبادئ التنظيم الإداري، ويخالف أصغر أساس من أسس الموارد البشرية. ولذلك فالأمر يتأرجح بين سببين إما أنه فساد إداري ومالي وإما أن يكون إفلاس تنظيمي، ولا أستبعد السببين معًا، وفي الحالتين من الطبيعي أن تنتزع الثقة من إدارة تحمل هذا الفكر الضحل، لأن عمل كهذا لا تقدم عليه إدارة أصغر سوبر ماركت ولا حتى إدارة مطعم بخاري؟!!
خاتمة:
المسؤول الذي يرشح شخصًا ما لإدارة مؤسسة أو حتى رئاسة قسم من الأقسام ثم يكتشف أن ذلك الشخص غير قادر على إدارة حتى ولو مقصف مدرسي، فليس أمام، ذلك المسؤول سوى ترديد المثل القائل: يامن شرا له من حلاله علة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button