إذا كانت دول العالم المُعاصر قد اتخذت يومًا محددًا منذ عام 1975م يومًا دوليًا لتكريم الأم، وتحديدًا في الحادي والعشرين من شهر مارس من كل عام، فإن الإسلام قد كرَّمها قبل ذلك، وأنزلها منزلة طيبة؛ حيث تم ذكرها في محكم آيات القرآن الكريم في أكثر من موضع، وتم تعزيز مكانتها الرفيعة في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك في القول المأثور الذي يُشير صراحة إلى أن “الجنة تحت أقدام الأمهات”.
لقد ذكرت أمًا عزيزة وكريمة، وذكرت زوجة صالحة طيبة، وذكرت أختًا عفيفة وامرأة محصنة، ونجد أن التراث الإسلامي مليء بصور مشرفة لنساء ضربن المثل الأعلى في رجاحة العقل، وتدبير الأمور، وطهارة النفس، وعفة البدن، فالأم في المجتمع الإسلامي هي أم المؤمنين عائشة “رضي الله عنها”، وهي الزوجة الصبورة “سارة”، وهي الابنة الطاهرة “مريم”، وهي المقاتلة المجاهدة الشرسة “الخنساء”، وهي الملكة الحكيمة “بلقيس”.
وقد قيل الكثير في الأم وحملت كتب التراث العديد من المعاني التي تجسد صفاتها، كما كتب عنها المؤرخون والفلاسفة والشعراء وغيرهم، ومما قيل فيها وعنها:
وصفها الشاعر العربي الكبير حافظ إبراهيم بالمدرسة، وقال: “الأم مدرسة إذا أعددتها – أعددت شعبًا طيب الأعراق”. ويحن الشاعر أبو الطيب المتنبي إليها بقوله: “أحن إلى الكأس التي شربت بها – وأهوى لمثواها التراب وما ضما”، أما الشاعر العربي الكبير محمود درويش فيسمها بأسلوبه الخاص؛ إذ يقول: “لن أسميك امرأة سأسميك كل شيء”.
وقال الفيلسوف المعروف شكسبير: “ليس في العالم أنعم من حضن الأم”، أما ماري هوبكنز فقالت: “الأمومة أعظم هبة خصَّ الله بها النساء”، في حين قال لينكولن: “إني مدين بكل ما وصلت إليه وما أرجو أن أصل إليه من الرفعة إلى أمي الملاك”.
أما أنا فلي مشاعري الخاصة، ولا أعتقد أن هناك إنسانًا له أم لا يمتلك مشاعر جياشة تجاه هذه القيمة الإنسانية العظيمة، إلا إذا كان قد تجرد من إنسانيته، وبكل صدق فإن سعادتي تتجدد من خلال وجود أمي في حياتي في كل يوم، وخلال أيام السنة، لأن الأم هي العيد بحد ذاته، وليس في هذا اليوم المحدد، والمناسبة التي يتم الاحتفال بها، وهي من صنيع الإنسان في المجتمعات الأجنبية؛ حيث لا تتجسد عندهم المشاعر إلا في مثل هذا اليوم!
فكلمة أم تحمل في طياتها العديد من المعاني وتجسد معنى ساميًا من جلالها وقدسيتها، فهي التي تهز السرير بيمينها وتهز العالم بشمالها، هي المعنى الأكثر خفة ورشاقة، وتقف التعابير خجلى أمام قامتها وعطائها، وتطغي صفة القدسية على الدور التقليدي للأم كراعية للأسرة ومربية للأطفال، وواقفة خلف عظمة وإنجازات الأب.
فمن الواجب على الأبناء أن يقدموا الهدايا والقُبلات لأمهاتهم في كل يوم خلال أيام العام، وليس بمناسبة الاحتفال بيوم الحادي والعشرين من شهر مارس من كل عام، لأن تكريم الأم لا يكون موسميًا خلال الاحتفال بيوم محدد سمى “بعيد للأم”.