المقالات

شغَّل تلفزيونك مجانًا

لا تحتاج قنوات تلفزيونك دفع مسبق، ولا اشتراك، ولا طاقة كهربائية، ولا مقوي إرسال، بل تحتاج تغمضي عينيك، وفورًا يشتغل تلفزيونك على كل القنوات “مجانا”، تستعرض قنواتك المفضلة، ومسرحية الجد والهزل، ومسلسل العمر، وسيمر أمامك الشريط كأنه لحظة بين عشية أو ضحاها، وقبل الخروج من غيبوبة المشاهد السريعة ستظهر أمامك لوحة مكتوبًا عليها بخط واضح جدًا “اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا”.
قناة قريتك أو حارتك “مسقط رأسك”، ستبث البرامج مجانًا تشاهدها كلمح البصر، ستذكرك بتمددك الشاروني، وطغيانك الفرعوني، وهيمنتك النيرونية، ستذكرك بكل شبر أخذته من حق عمتك، أو خالتك، أو إحدى قريباتك بفحولتك، وقوامتك وعنفصتك، ستذكرك برامج القناة بلحظات الضعف والقوة، وستجد تفاصيل ذلك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
القناة التعليمية خلال الدراسة ستقدم لك برامج صريحة عن مشوارك التعليمي، فهلوتك، ظلمك لجار فقير، أو قريب يتيم، ستؤذيك مشاهد غير مفلترة، وستضيف منجزاتك وعنتريتك ونجاحاتك ورسوبك في ذات الكتاب.
لو ضغطت الريموت وانتقلت إلى قناة العمل فستقدم لك بثًا حيًا على الهواء بتواضعك أو عنطزتك، وستشرح لك بالتفاصيل أسماء من هضمت حقوقهم، والذين منحت حقهم في الترقية والانتداب والسفريات والمميزات لغيرهم، وستقول لك كلام بالصوت والصورة قد تفخر وتزهو به، وقد تتوارى خلف ستار الوجع ندمًا لأن كل شيء في تلفزيونك الشخصي مرصود.
قناة تجارتك الرابحة مع الله، وقناة علاقتك بأقاربك وجيرانك، وقناة العطاء والوفاء، وقناة التطوع وقضاء حوائج الناس كلها تبث برامجها لك بالمجان وليس بيدك اختيار البرامج لأن كل شيء في كتاب تلفزيونك، لا تستطيع تبديله، ولا تجاوزه، ولا تعديله، كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا.
قبل النوم أو في خلوة آخر الليل، وأنت تسابق الساعة فجأة وبقرار خارج عن إرادتك تشتغل كل القنوات، هكذا دون اشتراك، ودون خيارات مسبقة، قد تستمتع ببعض البرامج، وقد يفز الخفوق من بعضها، وبين هذه وتلك يأتي العرض الحقيقي تحت الأرض في يوم العرض، عرض ما وسوست به النفس الأمارة بالسوء وخشيت أن يطلع عليه الناس، يكتمل المشهد الدراماتيكي هناك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
تذكرت أن جميع المؤلفات، وكل المقالات، وكل السيناريوهات، وكل القصائد إذا كنت ممن يقولون ما لا يفعلون ويهيمون في كل وادٍ، تستطيع تعديلها، وتستطيع مشاهدة البروفات، وتضيف وتحذف على كيفك إلا “كتاب حياتك” فإن كل شيء فيه مرصود وكل لفظ فيه محسوب، وعليها رقيب عتيد، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ويثبت كل برامجه في قنوات تلفزيونك الشخصي “اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا”.
جرب مشاهدة تلفزيونك الشخصي في لحظة ضعف؛ فقد تكتشف حجم الصخور المتعاركة على جوانب المضغة، وقد تكتشف أن شبر من الأرض لهفته قد يطوقك به رب العزة والجلال يوم القيامة، وإن النار وقودها الناس والحجارة.
إذا لم تعترف بحاجتك إلى تنسيق وترتيب قنواتك التلفزيونية فلن ينفع الصوت إذا فات الفوت وأسالوا صخور القلوب كم طغت وتجبرت؟
أصعب لحظات بث قنوات تلفزيونك الشخصي إذا التفت الساق بالساق وظن أنه الفراق …..!!!
كيف ترى برامج قنوات هوامير الرتز؟

همسة:
«كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» …… “إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك”.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button