قال صاحبي: أثارت الأزمة الأوكرانية، أو ما يسميها البعض بالأزمة الروسية الغربية، والتي تحولت إلى حرب عالمية ثالثة، ولكن بأدوات مختلفة، الكثير من التحديات، والتكهنات، والرهانات على الصعيد الدولي، والإقليمي، اقتصاديًا، وسياسًا، وعسكريًا، ومن المبكر الحديث عنها بشكل حقيقي، قبل انقشاع غمام هذه الأزمة، واتضاح ما تمخضت عنه، من المنتصر، من الخاسر، ما الجديد الذي سيضاف للنظام العالمي المنتظر، ما موقعنا من هذه التحولات؟، وخصوصًا انحياز دول الشرق الأوسط لأحد المعسكرين.
للإعلام الغربي قدرته الخاصة على صناعة المصطلحات، وبلورتها وفق أيديولوجيته، ثم نشرها وتداولها، وتبنيها من قبل أجهزة الإعلام الأخرى التي أصبحت مجرد ساعي بريد!، فالعالم يعيش حربًا كونية ثالثة حتى وإن اختلفت تسمياتها، من الأزمة الروسية الأوكرانية، إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى أزمة القمح والطاقة، وغيرها من التسميات التي تخفي خلفها أكثر مما تظهر، ففي علم الاتصال لا توجد كلمات غير مقصودة، وإذا اقترنت السياسة بالإعلام فلا توجد كلمات بريئة.
لم تكن “كييف” إلا الطعم الذي لوح به الغرب للدب الروسي، في محاولة لجره لمستنقع تستنزف فيه قواه لعدة سنوات قادمة، لحاجة في نفس واشنطن، ولندن، سارع القيصر لاغتنام الفرصة، لاستعادة الدول التي سُلخت منه عنوة، كخطوة أولى إيمانًا منه بانتهاء مرحلة القطب الواحد المتحكم في العالم سياسيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا، وعسكريًا، فبادر لاتخاذ أولى خطواته، التي ترى أن ما أُخذ بالقوة، لا يستعاد إلا بها، سعت أوروبا للاصطفاف خلف أمريكا ولسان حال بعض دولها سيوفنا في البيت الأبيض، وقلوبنا في الكرملين.
بادر المعسكر الغربي لمحاصرة روسيا اقتصاديًا، وحرمانها من نظام سويف المالي، وإغلاق جميع وسائل التواصل الاجتماعي المملوكة للغرب، وإغلاق مواقع روسية على الإنترنت، وطرد القنوات الإعلامية الروسية من الدول الأوربية، في خطوة تبين أن الإعلام خاضع للتوجيهات السياسية، مهما زعم البعض غير ذلك، والأهم، أنه سلاح خطير لذا قامت دول الحلفاء بتجريد موسكو منه، كما جردت رجال الأعمال الروس من ممتلكاتهم!، وإغلاق جميع الشركات الغربية، أو تلك التي تعمل بنظام الامتياز، ألم أقل لكم: إنها حربًا عالمية ثالثة، ولكن بوسائل متعددة؟
في هذه الحرب العالمية الجديدة، حضر الجميع، وغُيبت الحقيقية، في هذه الحرب الغربية الروسية، استبدل الإعلام الغربي العرب والمسلمين، بالروس، بينما بقيت اللغة واحدة، والأهداف واحدة، حتى إن غرفة العمليات الإعلامية تكاد تكون واحدة، هذا التناغم الإعلامي الغربي، نجح في تسميم ذاكرة المتلقي بشكل سريع، تمهيدًا لحصارها، ثم حقنها بالمصطلحات والرسائل الإعلامية الجديدة، التي أُنضجت في مطابخ السياسيين، لأهداف متعددة؛ ومنها الاغتيال المعنوي لشخصية الرئيس الروسي بوتين.
ولأنه لا توجد رسائل إعلامية بلا قصد؛ فقد بات بعض السياسيين، والإعلاميين في الغرب، ينفث سمومه بين كلماته المبطنة، ومنها تحميل الدول المنتجة للنفط دم الأوكرانيين الذين يقتلون بيد وسلاح الجيش الروسي!، ومنها محاولة وزير الطاقة الفرنسي الربط بين أزمة الطاقة في السبعينيات، وما يحدث اليوم نتيجة لصراع الغرب مع روسيا، في محاولة لاستعداء الرأي العام الغربي على دول الأوبك، وخصوصًا السعودية!، فالعلاقة بين السياسي والإعلامي قائمة على صناعة العناوين، ثم تسويقها، لإيجاد المبررات التي تساهم في تحقيق الخطوة التالية، فالصواريخ والقنابل الإعلامية تنطلق قبل وأثناء، وبعد الحرب.
لم يعجب قادة تلك الدول وإعلامها، أن دول الأوبك تبحث عن مصالحها، لم يرضَ تلك الدول الديكتاتورية ما أصدرته الدول الخليجية من بيانات بشكل جماعي، أو منفرد، داعية دول الصراع إلى الحوار، والاحتكام إلى مبادئ القوانين الدولية الكثييييررررة، لم يرق لتلك الدول القلق الكبير الذي أظهرته السعودية ودول الخليج إزاء هذه الأحداث التي يذهب ضحيتها الأبرياء من المدنيين، تلك الدول الديموكتاتورية تريد من الجميع نصرتها، في وقت تخلت عنهم، ولم ينالهم منها سوى التصريحات الصحفية المليئة بالقلق!.
قلت لصاحبي:
لماذا يزعجهم قلقنا وقد تعلمناه منهم.. فهذه بضاعتهم رُدت إليهم.