زبيدة( أمة العزيز) بنت جعفر المنصور بن أبو جعفر المنصور مؤسس الدولة العباسية، وزوجة هارون الرشيد، ووالدة الخليفة الأمين، فقد نالت الشرف كله، إذ هي حفيدة خليفة، زوجة خليفة، أم خليفة، إضافة لما عُرف عنها من التدين ورجاحة العقل وصواب الرأي، فكانت ذات مكانة وتأثير في قرارات الدولة وإدارة شؤونها، كما كان لخيريّتها دافع كبير لأن تنشيء العديد من الأعمال الوقفية التي انتفع بها الناس-خاصة قاصدي بيت الله الحرام- والتي كانت سببا في تخليد اسمها على مر التاريخ تبعا لبقاء تلك الآثار كشاهدة على عظمتها وقوة عزمها وضخامة إرادتها وكرم بذلها وعطائها!!
ومن الأعمال الجليلة لتلك العظيمة قناة عين زبيدة التي أمرت بتنفيذه بعد أن قصدت مكة للحج عام 186هـ وبإمكانات يدوية، وبتكلفة عالية تقدر بالآف الكيلو جرامات من الذهب، إذ لم يثنها حجم تقديرات التكاليف الباهضة عن استكمال مشروعها القيّم، فقد خُلد قولها لخازن أموالها: “اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس دينارا”.
وهي بلا شك من الآثار التاريخية المهمة والملهمة والتي أنقذت حياة الآلاف من الحجاج وقاصدي البلد الحرام وسكانه على مدى سنوات عديدة متعاقبة فكان نفعها عميم وعظيم، إذ تعد مشروعا عملاقا من حيث الحجم والتكلفة، تبدأ من جبال الطائف مرورا بالكر وصولا لمكة المكرمة لتمرير الماء العذب في قنوات أتصفت بالدقة الهندسية والفن المعماري والاتقان في التنفيذ على يد مهندسين مسلمين أثبتوا براعتهم في تجاوز العقبات والتغلب على فوارق التضاريس لضمان انسيابية المياه بكل سلاسة، فكان لهم ذلك!!
وبالرغم من صلابة البناء وقوة التحمل وجودة التنفيذ إلا أنه اعتراه التقادم بفعل التأثيرات الخارجية وهذا مادفع الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- إلى إنشاء إدارة خاصة لإدارة العين وترميمها في العام 1346هـ، وبالفعل تم تجديدها وإعادة جريان الماء بها ليمتد أثرها ويبقى نفعها كوقف إسلامي عظيم!
ثم بعد تلك السنين نالها الاندثار كما طالها الزحف العمراني والتمدد البشري لتتهدم أجزاء منها فتتعطل عن العمل لتبقى شخوصا تستجدي إعادة إحيائها؛ وفاء لدورها المحوري والحيوي، وتقديرا لقيمتها التاريخية وتخليدا لهذا الصنيع المبهر!
وبما أننا في عصرٍ زاهر يهتم بالقيم التراثية والمعالم التاريخية كقيم وطنية فإن الأمل يحدونا في لفتة كريمة بإعادة تجديد وتأهيل هذه العين كأحد أهم المعالم في مكة المكرمة والتاريخ الإسلامي.
راجين في الوقت ذاته أن تكون حاضرةً في دائرة اهتمام الجهات والهيئات الإشرافية بمكة المكرمة كهيئة تطوير مكة، وأمانة العاصمة المقدسة، أو أن تكون ضمن أختصاصات الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وفي نطاق مشاريعها القادمة والتي تتكامل في مجموعها كمنظومة تجسد حرص القيادة-أيدها الله- في الاهتمام بالبلد الحرام؛ إحياءً وإعمارا لمآثره القيمة.