كتاب الرأي

التَّغذية الرَّاجعة في البحث العلمي

تخضعُ الأبحاث العلميَّة – سواءً أكانت رسائلَ علميَّة (ماجستير – دكتوراه)، أو بُحوثَ إنتاج علمي – لعمليَّتَي التَّقييم والتَّقويم، وذلك من قِبَل الأساتذة المُتخصِّصين في المجالات العلميَّة المُختلفة، كما يسعى الباحث نفسه إلى تقييم أدائه من خلال العمل والرُّجوع إلى معايير علميَّة لمنهجيَّة البحث، وكذلك في المجال التُّخصُّصي، وهي ما يُطلق عليها التَّغذية الرَّاجعة Feedback))، والتي يُعرِّفها برجمان (Bergman,1968) بأنها عبارة عن تقرير مستمر تقريبًا عن عمليَّات أساسيَّة، وهذا التَّقرير يُعطَى للفرد حتى يقوم بضبط تلك العمليَّات. وتُعرِّفها الباحثة بأنَّها “كل ما يحصُل عليه الباحث من معلومات عن أدائه من خلال معايير لهذا الأداء، سواءً احتكم بنفسه لهذه المعايير، أو قام غيره من ذوي الاختصاص والخبرة العلميَّة والمنهجيَّة بتحكيم أدائه وفقًا لها، منذ بداية طرح فكرته البحثيَّة، حتى الانتهاء من طباعة التَّقرير النِّهائي لها”. ونظرًا لقلَّة ذكر التَّغذية الرَّاجعة في المراجع وأدبيَّات البحث العلمي، أو عدم تناولها بشكلٍ صريحٍ أو مُتعمِّقٍ، فقد رأت الباحثة تقسيم التَّغذية الرَّاجعة للبحث العلمي إلى ثلاث مراحل كما يلي:

المرحلة الأُولى: تغذية راجعة أوَّليَّة:
➢ من خلال عرض الباحث فكرته البحثيَّة، بعد التَّشاور مع المرشد الأكاديمي، على لجنة الأفكار في المُؤسَّسة التَّعليميَّة التَّابع لها، وإعطاء اللَّجنة رأيها بالقبول، أو القبول مع التَّعديل أو الرَّفض.
➢ حلقات البحث أو ما يُسمَّى السِّمينار (Seminar)، وتكون على مُستويات أكاديميَّة جامعيَّة وعلميَّة مُختلفة، وهنالك بعضٌ من حلقات البحث تُكرَّس للطّلبة في السَّنة النِّهائيَّة من الدِّراسة الجامعيَّة الأوَّليَّة، وأخرى على مُستوى الدِّراسات العُليا، وغير ذلك من حلقات البحث، وتخضع حلقات البحث هذه للمُناقشة من قبل أساتذة مُحدَّدين مُسبقًا، أو من قبل المُحاضرين في الحلقة، للمُناقشة حول قبول أو رفض خُطَّة الدِّراسة أو قبولها مع إجراء تعديلات (قنديلجي والسامرائي، 2009م).

المرحلة الثَّانية: تغذية راجعة تكوينيَّة:
➢ التَّقييم الذَّاتي من الباحث نفسه، من خلال اتِّباع المنهجيَّة العلميَّة الصَّحيحة ومُراعاة المعايير المطلوبة في الأداء، والمُراجعة المُستمرَّة لما أُنجز، ويحتاج الباحث في ذلك إلى توسيع قراءاته حول موضوع دراسته ومناهج البحث، والاطِّلاع المُوسَّع النَّاقد على الدِّراسات والأبحاث العلميَّة، وحضور ما يُعقد من حلقات البحث والمُناقشات العلميَّة، إضافةً إلى استشارة ذوي الاختصاص العلمي والخبرة المنهجيَّة، وتمتدُّ الاستشارة إلى مُناقشات الباحث مع المُحلِّل الإحصائي حول أفضل الأساليب الإحصائيَّة أو المُدقِّق اللُّغوي حول لُغة البحث وصياغته.
➢ المُشرف الأكاديمي، حيث إنَّ اختيار المُشرف الأكاديمي والأعضاء الآخرين المُشرفين على رسائل الماجستير والدكتوراه يختلف من مُؤسَّسة وأخرى، وحتى من قسم لآخر داخل المُؤسَّسة الواحدة. فأحيانًا يُصبح الشَّخص الذي يُوجِّه الباحث ويُتابع تقدُّمه من البداية هو مُشرفه الأكاديمي، وأحيانًا ينتقل الإشراف الأكاديمي لمُشرف آخر بعد إقرار خُطَّة البحث، ونجد في بعض الجامعات أنَّ الأقسام العلميَّة أو الكُليَّات هي من يُحدِّد المُشرف للباحث، أو يسمح بعضها للباحث باختيار المُشرف الأكاديمي بنفسه، وهنا يتوجَّب على الباحث أن يختار مُشرفه وفقًا لأُسُس موضوعيَّة مبنيَّة على معرفة المقررات والموضوعات التي يدرسونها، وكذلك أبحاثهم وكُتُبهم المنشورة، والرَّسائل التي أشرفوا عليها، ورأي أعضاء هيئة التَّدريس الآخرين وخبرة الطَّلبة الآخرين مع أعضاء هيئة التَّدريس عن نهجه في الإشراف واتِّجاهاته البحثيَّة (الضامن، 2007م).

المرحلة الثَّالثة: تغذية راجعة نهائيَّة:
وذلك من خلال عدَّة لجان علميَّة لتقييم وتقويم المُنتج البحثي، سواءً أكانت رسائل علميَّة (ماجستير ودكتوراه) أو أبحاثًا للنَّشر والتَّرقية:
➢ لجنة مُناقشة الرَّسائل الجامعيَّة، وتكون على مُستوى الدِّراسات العُليا عادةً، سواءً أكانت رسالة ماجستير Thesis، أو رسالة دكتوراه Dissertation، وتكون هناك عادةً لجنة للمُناقشة تتناوب في توجيه الأسئلة والنَّقد للرِّسالة التي يُفترض أنها قرأتها وفحصتها قبل مُناقشتها من قبل اللَّجنة، وعلى الباحث النَّاجح أن يُهيِّئ نفسه للمُناقشة والنَّقد، بشكل يُؤمِّن حُسن العرض وجودة المُناقشة، وكذلك الإجابة عن الأسئلة والاستفسارات والنَّقد الذي يُوجَّه إليه، وهنالك عدد من الجوانب الأساسيَّة التي يجب أن ينتبه إليها الباحث في نقاشه ودفاعه عن بحثه أهمُّها (قنديلجي والسامرائي، 2009م):
• تنظيم خلاصة البحث.
• تدريب مُسبق على تقديم خلاصة البحث.
• التزام بالوقت المُحدَّد للعرض والمُناقشة.
• صوت واضح وإلقاء جيِّد.
• اعتماد الطُّرُق الحديثة في العروض، مثل الشَّرائح الإلكترونيَّة (Power Point) مع الانتباه إلى عدم المُبالغة.
• تدوين المُلاحظات الخاصَّة بالاستفسارات التي توجه إلى الباحث، وتنظيم الإجابة عنها.
• استماع وإنصات جيِّد للمُناقش، والالتزام بالهدوء في مُناقشة الأسئلة التي تعكس نقدًا إلى جانب من جوانب البحث.
• التَّأكُّد من عدم التَّسليم بكل مُقترح أو رأي يُوجَّه إلى الباحث، خاصَّةً في الأُمور التي تعكس وجهات نظر مُتباينة.
• الظُّهور بالمظهر اللَّائق الذي ينسجم مع الموقف.
➢ لجنة تحكيم البحوث التي تُقدَّم للمجلات والمُؤتمرات العلميَّة: وهم أعضاء بدرجة الأُستاذيَّة كهيئة استشاريَّة لتقويم البحوث المُقدَّمة للمجلات والمُؤتمرات العلميَّة.
ويُعرَّف التحكيم: بأنَّه عمليَّة إخضاع عمل علمي مُعيَّن للتَّقييم والفحص من قِبَل خبراء ومُتخصِّصين في المجال، فهو طريقة منهجيَّة للنَّظر في مصداقيَّة بحث ما، ومُلاءمة النَّتائج المُترتِّبة عليه.
كما يُقصَد بالتَّحكيم: توظيف المنهج العلمي في تقييم وفحص البحوث قبل نشرها وتداولها في الأوساط العلميَّة والأكاديميَّة، من طرف خبراء مُستقلِّين ومُتخصِّصين في مجال معرفي مُعيَّن، من خلال إبراز نقاط القُوَّة والضَّعف فيها، بكل أمانة علميَّة، وبموضوعيَّة بعيدًا عن المُؤثِّرات الأُخرى (برني وفالتة، 2017م).
ونظرًا لاختلاف الرُّؤى ووجهات النَّظر من مُحكم لآخر، كان لا بُدَّ من وضع مجموعة معايير لضبط عمليَّة التَّحكيم تضمن قدرًا مُناسبًا من الجودة العلميَّة، وهذا بهدف:
• إصدار أحكام وقرارات موضوعيَّة.
• القضاء إلى حدٍّ كبيرٍ على تناقُض قرارات المُحكِّمين.
• تطبيق مبدأ العدالة والنَّزاهة في تحكيم الأبحاث باعتماد معايير مُوحَّدة.
• التزام الباحثين بهذه المعايير المُعلنة كنوع من التَّقييم الذَّاتي قبل عرضها على التَّحكيم، ممَّا يعني تجاوزها كثيرًا من الأخطاء الشَّكليَّة والموضوعيَّة والمنهجيَّة والمطبعيَّة واللُّغويَّة.
ويُشير بعض الباحثين (Wager & Kleinert,2010) إلى أن المعايير الدَّوليَّة في أغلبها تدور حول المجالات التَّالية:
▪ أصالةُ الدِّراسة
▪ السَّلامة والموثوقيَّة
▪ الأمانة العلميَّة
▪ مصداقيَّة النَّتائج

وختامًا، فإنَّ هذه الجُهود والمُتطلَّبات المنهجيَّة التي يتَّبعها الباحث لم تُوضع من أجل أن تكون مظاهر شكليَّة تُرافق إجراء الدِّراسة أو البحث، ولا من أجل إرهاق الباحث وإهدار وقته، بل هي خطوات علميَّة مدروسة لا بُدَّ للباحث أن يُمارسها بعقليَّة علميَّةٍ واعيةٍ، وذلك بهدف الوُصول إلى حقائق علميَّة، تُعَدُّ إضافةً تستحقُّ أن تُثبت وتُسجَّل بطريقةٍ منهجيَّةٍ.

——————
المراجع:
برني، لطيفة وفالتة، اليمين (2017م). آليَّات تحكيم المقالات العلميَّة الضَّوابط والمعايير. مجلة الاقتصاديَّات الماليَّة البنكيَّة وإدارة الأعمال – جامعة بسكرة (3)،9-37.

الضامن، منذر (2007م). أساسيَّات البحث العلمي. دار المسيرة.

قنديجلي، عامر؛ والسامرائي، إيمان (2009م). البحث العلمي الكمِّي والنَّوعي. دار اليازوري العلميَّة للنَّشر والتَّوزيع.

Bergman, Jerry .(1981). understanding educational measurenext and Evaluation، Houghton Mifflim company Boston، Dallas Gneva، illnois Hopewell، new Jrsy pallo- London.

Wager, E., & Kleinert, S (2010). Responsible research publication: international standards for authors. Promoting Research Integrity in a Global Environment. Singapore, 309-16.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button