كتاب شعب الايمان

بعد وفاة والدي_ رحمه الله_ تواصل معي عدد من رفاقه ممن وصل لهم نسخ من كتابي علمني والدي والذي شمِلت فيه جملةَ ما تعلمت منه من خصال، والتي أصبحت لي منهجَ حياة. ومما تعلمته منه_ رحمه الله_ حرصه على تعزيز صلته بأصدقاء والده جدي الشيخ حمدان علي، وبذله لهم وصلته بهم، وتلك خصلة حث عليها شرعنا العظيم؛ ففي حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي ﷺ قال :”إن أبر البر أن يصل الرجل ودَّ أبيه”. وما زلت أتذكر صلة والدي بأقران جدي ومعايدتهم وحضور مناسباتهم ومتابعة حوائجهم حتى توفاه الله.
ومن أجمل ما وصلني من أهل ود والدي_ رحمه الله_ إهداء من سعادة الأستاذ إبراهيم عائش الحمد، وهو في صورة إنتاج علمي ديني ثقافي في غاية الأهمية هو كتاب شعب الايمان الذي أحسبه من أهم ما صدر حديثًا من كتب في شعب إيمان المسلم حيث روى الشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الإيمان بضع وسبعون شعبة -عند البخاري بضع وستون- (زاد مسلم): أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” في روايات متعددة. وقد كُتِب فيها العديد من الكتب على مر التاريخ.
وقد حرص الكاتب الحمد على جمعها بين دفتي كتاب واحد لسهولة الحصول عليها بعد أن عكف على جمعها لسنوات عدة حتى تحقق من وجود تسع وسبعين من الشعب من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة كما أنه اتبع منهج ابن حبان_ رحمه الله_ في جمع الشعب وعدها كما جاء في “الأنواع والتقاسيم”.
كما أن الكاتب حرص على إنجاز عمل جمالي للشعب شجريًا، وعلى كل ثمرة من ثمار الشجرة شعبة وعلى الأوراق الشاهد من الدليل، سواء من القرآن الكريم أم من السنة النبوية الشريفة على صاحبها أزكى الصلاة والسلام، وهي لوحة جميلة بمعانٍ عظيمة تصلح أن توضع في المدراس والبيوت والمكاتب.
على أن مما يثير الإعجاب ويبعث على الدهشة، في هذا الكتاب (شعب الإيمان)، تركيزه الكبير على الربط بين هذه الشعب ومكارم الأخلاق. لا، بل إن شعب الإيمان هي أصل المكارم وأساسها، ولا سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” إنما كان يعنيها؛ إذ لا تتحقق إلا لدى مؤمن، أما الأخلاق عامة فهي موجودة لدى المؤمن وغيره كما ذكر الكاتب. كما يؤكد الكاتب أنه، وفي كل توجيه قرآني موجه للمؤمنين، شعبة إيمانية أخلاقية، وهو ما يؤكده أيضًا قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود “إذا سمعت الله يقول (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه”.
ولأن الأمة الإسلامية هي خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ففي قراءة هذا الكتاب واقتنائه وتدريسه لأبنائنا وطلابنا خير كثير لينشغلوا بشعب الإيمان ليس فقط دراسة، وإنما تطبيقًا ومعايشة وما أحوج البشرية اليوم إلى الترقي في سلم القيم الأخلاقية!
يقع هذا الكتاب (شعب الإيمان من القرآن والسنة) في 1345صفحة فيها من العلم الغزير والفهم الدقيق والعميق لهذه الشعب. وحقًا، يعد الكتاب إضافة علمية هامة للباحثين والمهتمين بهذه المباحث، وقد ألَّف في شعب الإيمان الإمام الحافظ أبو عبد الله الحليمي، والإمام الحافظ عبد الله البيهقي وغيرهما كثير، رضي الله عن الجميع. ومما يحمد لهذا الإنتاج بساطة لغته و مناسبته للعصر وشمولية طرحه .وقد اطلع عليه عدد من المسؤولين من وزراء سابقين منهم د. غازي القصيبي عليه رحمة الله ومديري جامعات سابقين، أ. د. محمد العقلا مدير الجامعة الاسلامية سابقاً يحفظه الله و أ.د. منصور النزهة يحفظه الله مدير جامعة طيبة سابقاً وقد أثنوا عليه ثناءً كبيرًا وعلى الشجرة التوضيحية لشعب الإيمان فجزى الله كاتبه خير الجزاء ونفع بهذا العلم النافع أمة الاسلام والمسلمين. وإني لأدعو الباحثين والمهتمين إلى الاطلاع عليه، وتبني تعزيز شعب الإيمان لهذا النشء المسلم الذي هو في أمس الحاجة لدراستها وتطبيقها في مجالات حياته كلها.