المقالات

علي الدّميني …. (المشروع)

ورحل عليّ الدّميني بعد صراع مع المرض لم يطُل، ليشكّل غيابه حالة من الصدمة لدى محبيه، وهم كُثْر على امتداد الوطن العربي.
هذا قدَر عليّ الدّميني، وقدَر كلّ مَن هم على شاكلته من الرّموز والقامات عبْر التاريخ.
لم يكُن -رحمه الله- حالة عابرة ليمُر نبأ وفاته مرور الكرام.
قِلّة من الناس يهبون الحياة بموتهم لأنهم فكرة، وعليّ مِن هؤلاء.
لم تربطْني بعليّ علاقة شخصية، على الرغم من قراءتي له قبل لقائه بسنوات عديدة، إلا أنني شعرت -في أوّل لقاء- بأنني أعرفه منذ سنوات، فقد كان تلقائيًا ودودًا، لا يصنع الحواجز ولا يتصنّع المكانة، ولو فعلها لكان لائقًا به. صفتان في عليّ لا تخطئهما العين قط، التواضع والوفاء، وهما من شيم الكبار حقًا.
لن أنسى أبدًا الحرج الذي أصابني، والارتباك الذي اعتراني أثناء صعودي المنصّة ممثِّلاً للنادي الأدبيّ بالمنطقة الشرقية في أمسية أقيمت بمحافظة القطيف في ذكرى الراحل عليّ بن حسن أبو السعود، لأُفاجأ بالأستاذ عليّ الدّميني جالسًا بالصف الثاني أو الثالث في قاعة اكتظت بالمثقفين والوجهاء من داخل القطيف وخارجها، ألقيت كلمتي على استحياء، وبعدما انتهت الأمسية توجّهت إليه مسلّمًا، وقلت له مداعبًا: ما كان لي أن أرتقي المنبر وأنت في الحشد أبا عادل. ابتسم كعادته وكأنه يقول بلغة الكبار: لا عليك.
أما عن وفائه، فلا أدلّ عليه من عنايته بصديقه الراحل عبد العزيز مشري رحمه الله حيًا وميتًا، وهذا ما يعرفه كل أصدقائه في الوسط الثقافي، فقد قام على نتاجه جمعًا وتدقيقًا وطباعة وتوزيعًا.
من قرية محضرة مسقط رأسه بمنطقة الباحة إلى الدمام عالمٌ من الأحلام والآمال والآلام، مسيرةٌ لم تكُن مفروشة بالورد، بل اعتراها الكثير من الأشواك التي تركت ندوبًا في روح وعقل أبي عادل، لكنها لم تمنعه من مواصلة السير في طريق مشروعه الذي آمن به وكرّس حياته له.
قناعتي الشخصية أن عليّ الدّميني لم يكُن حالة عابرة، ولن يكون، بل كان مشروعًا توافرت فيه كل العناصر المطلوبة للمشروع الثقافي الوطني على الرغم من عدم اكتماله إلا أنه نال شرف الريادة والمحاولة، وهذا يكفيه.
رحم الله أبا عادل الإنسان الذي شكّل علامة فارقة في تاريخ الوطن الذي أحبه وآمن به وناضل في سبيل عزته ورفعة شأنه.
عزائي لأسرته الصغيرة، وعلى رأسها الصديق العزيز محمد الدّميني، والأسرة الكبرى في الوطن العربي ممثَّلة في أدباء ومثقفين ومفكرين آلمهم نبأ وفاة أبي عادل، رحمه الله وغفر له.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى