المقالات

ليلة القدر بين الرؤى والرويَّة

لقد جعل الله الحياة الدنيا ميدانا للتنافس، وامتحانا لمدى التفاضل في العمل والآداء ليقاس بموجبه الأجر والمنزلة {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك : 2] ومن هذا المنطلق فإن كشف الاختبار يفقد معناه بل يذهب التقدير الصحيح الذي يبين الفارق بين مجتهد وبين متصيد متربص للفرص؛ ليحوز بالغنيمة الباردة!!!

ألا إن سلعة الله غالية فهل ستكون( ليلة القدر خير من ألف شهر) وهي بهذه المنزلة العالية والقدر الرفيع سهلة المنال بمجرد رواية متناقلة أو رؤية أخيلية تصنف (أضغاث أحلام) يفترض أن يكتفي بالقول حيالها: ( وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) دونما تأويل يتبع هوى من يترآى؛ ليكون ذلك أبرأ للذمة وأقرب للحقيقة، ولنتجنب الخوض فيما هو من علم الغيب الذي أختص الله به!!!

وماذ نقول للباحثين عن الشهرة من خلال الإعلام الجديد(السوشيال ميديا) ولو ركب أولئك ظهر الدين بل في التحدث في ذات الأصول التي يتورع عندها العلماء المعتبرون، وذلك بنشر مقاطع مثيرة للجدل أو مما يستجدي اهتمام العامة أو يصب في حاجتهم أو يتعلق بشؤون دينهم ودنياهم، مما أصبحت حرمة الدين مستباحة لأولئك دون أن يجدوا رادعاً يمسك بتلابيبهم ليحد من ذلك التطاول المريب الذي يفضي لتشكيك الناس في دينهم أو يزعزع إيمانهم أو يربك ثوابتهم أو يدعوهم للريبة في معتقدهم؟!!!

وغالبا ما يتحين أولئك فرص المواسم الدينية أو الاجتماعية لبث معلوماتهم المغلوطة أو نشر ترهاتهم التي قد تتلقف فيكون ضررها بالغاً في المعتقد أو في العادات الصحية أو المجتمعية!!

لقد وصل الأمر (لليلة القدر) التي جعلها الله في
اللا معلوم لتكون موضع تنافس لمن يبتغي الثواب العظيم، و المكافأة الجزيلة التي هي جنة عرضها السموات والأرض، ولا شك أنه كلما عظمت العطية فسيعظم تبعا لذلك الثمن، ولن تكون في متناول الجميع إلا من أدى متطلباتها بإيمان واحتساب!!

إن ما يدحض تلك الرؤى والروايات المتناقلة بل يبين كذبها وزيفها ماروى عن النبي ﷺ عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ : أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((أُريتُ  ليلَةَ  القدْرِ، ثُمَّ أيقظَنِي بعضُ أهلِي فنُسِّيتُها؛ فالْتَمِسوها في العَشرِ الغَوابِرِ))

لاحظ، قال ﷺ 🙁 نُسِّيهتا) ولم يقل: نسيتها؛ لتأكيد أنها أخفيت عليه، كي تكون في المجهول، وهو الذي يروي عن ربه، إذ وصفه الله تعالى بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)}
فهل هؤلاء الرآئيون بقية من نبوة أم هم المصطفون الأخيار أم يختزلون أثارة من علم أو أختصهم الله لتبقى تلك الرؤى حيّة في أذهانهم لتروى على الملأ في حين نُسِّي بها الرسول المجتبى..عجبا لهم إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا!!!

إن أصدق ما ورد عن ليلة القدر هو ما روي عن أم المؤمنين عائشةَ – رضِيَ اللهُ عنها- أنَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ، وفي رواية في الوتر من العشر الآواخر)) أي دون تحديد أو ترجيح ليلة بعينها!!

وخلاصة القول: أن فسح المجال لكل متقول سيكون وبالا على العباد، وسيجلب ذلك الفضاء المفتوح مهزلة تفضي في أقل حالاتها إلى التقليل من شأن القيمة المنتظرة، أو التثبيط عن الاجتهاد لنيلها بحجة العلم المسبق بوقتها، ناهيك عما يحدثه ذلك من إثارة الجدل بين مصدق؛ ناشر على أوسع نطاق ليعمم الخبر السار- في نظره- وبين من يرى ذلك من الخزعبلات التي لا تصدق بحال من الأحوال!!

الجدير بالذكر أنه يتوجب على الجهات ذات العلاقة وضع جزاء رادع لهذه التطاولات التي تصب في الاستخفاف بشعائر الدين، وإنزالها في (حراج) يتم المزايدة عليها في انتظار من يروي أو يترآى أكثر ليحظى بالنشر والشهرة دونما رادع من روية أو ضمير يكف -عن الناس – شرهم المستطير!!

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button