المقالات

التحوَّل للدراسة وفق نظام #الفصول_ الثلاثة في ضوء نظريات التعلّم العالمية وتوجهاته المستقبلية

      إن استمرار العمل في أي منظومة تعليمية لعقود من الزمن وفق وتيرة واحدة مؤشر خطير بل دليل على وجود حالة من التأخر والجمود وعدم القدرة على التفكير والتطوير سواء داخل الصندوق أو خارجه، وقبل أن أدلف لمحور الموضوع، وهو التحوَّل للدراسة وفق الفصول الثلاثة، سأعرج على بعض نظريات التعلم العالمية، وكذلك على بعض توجهاته المستقبلية؛ وذلك على النحو التالي :

النظرية الأولى النظرية السلوكية وهي من أشهر النظريات، ويرى أصحابها أن قوة التعلّم تعتمد على قوة الارتباط بين المثير والاستجابة، وأن الاستجابة تثبت أو تضعف في ضوء طبيعة الجزاء الإيجابي أو السلبي الناجم عنها أو عن أدائها إيجابيًا أو سلبيًا.

النظرية الثانية نظرية التعلم الجشطالتية (التعلم الكلي). تعتبر هذه النظرية أن الاستبصار شرط التعلم الحقيقي؛ حيث إن بناء المعرفة واكتساب المهارة ليس إلا النتيجة المباشرة لإدراك الموقف واستبصاره بشكل كامل وحقيقي، وأن الفهم وتحقيق الاستبصار يفترض إعادة البنية، وأن التعلم يحدث من خلال تفكيك الموضوعات والقضايا وتحليلها وإعادة بنائها.

النظرية الثالثة البنائية حيث إن من أهم مبادئها أنّ التعليم لا ينفصل عن التطور المتنامي لدى المتعلم،كما ترى هذه النظرية أن لخبرات المتعلم السابقة أثر في بنائه المعرفي الجديد،  وأنّ التعلم يقترن بقياس الذات على الموضوع وليس بمجرد تحصيل معارف عنه، ومن ضمن مبادئ هذه النظرية أيضًا أنّ الخطأ شرط أساسي للتعلم؛ فمن خلال تجاوزه يتم بناء المعرفة التي تعتبر صحيحة.

النظرية الرابعة نظرية الذكاءات المتعددة؛ حيث يرى جاردنر واضع أسس هذه النظرية أن مستوى ذكاء كل شخص يتكون في الواقع من العديد من الذكاءات المتميزة، وتشمل هذه الذكاءات الذكاء المنطقي الرياضي، واللغوي، والمكاني والإيقاعي، والجسدي الحركي، والذكاء الاجتماعي. وتفترض هذه النظرية أن الذكاء ليس شيئًا واحدًا، ولا نستطيع تصنيفه بشكل كلي، وفي ضوء هذه النظرية يتم تقديم التعليم في ضوء نمط الذكاء الأبرز لدى المتعلم.

النظرية الخامسة النظرية البوليتكنيكية أو التطبيقية أو نظرية الفنون المتعددة. ترى هذه النظرية ضرورة النظر إلى كل مناشط وجوانب وفعاليات المدرسة في ضوء علاقتها بعملية الإنتاج، وتقوم فكرة هذه النظرية على أن جميع المواد الدراسية التي تغطي مجالات العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية والدراسات العملية تصب في إكساب المتعلمين مهارات العمل والإنتاج وغرس وتكوين عادات العمل لديهم، وإكسابهم مهارات تتعلق بعمليات الإنتاج المختلفة.

النظرية السادسة النظرية البرجماتية اهتمت النظرية البرجماتية بالخبرة والعناية بمعالجة المشكلات الحقيقية للفرد والمجتمع، وترى هذه النظرية أن المدرسة ينبغي أن تكون انعكاسًا لواقع الحياة، ودعت للاهتمام بحاجات المتعلم، وبتنمية الإبداع والخيال العلمي، ودعت كذلك للاهتمام بالأنشطة داخل المدرسة وخارجها.  

النظرية السابعة النظرية الموسوعية أو نظرية دوائر المعارف، وهي من أقدم نظريات التعلم، وقد نادى أصحاب هذه النظرية بأن كل إنسان يجب أن يتعلم تعلمًا كاملًا، ليس في مجال واحد بل في جميع الأمور التي تحقق الكمال للطبيعة الإنسانية، ولهذا فإن المتعلم يجب أن يتعلم في مختلف المجالات المعرفية سواء في الرياضيات أو الفلك أو الكيمياء أو في الآداب والفنون.

النظرية الثامنة النظرية الجوهرية، ويرى أنصار هذه النظرية أن هناك جوانب أساسية معينة يجب الإبقاء عليها، ويجب أن يعرفها كل المتعلمين، وهذه الجوانب الجوهرية يجب أن تبرز من مختلف حقول المعرفة المختلفة، وتؤكد النظرية الجوهرية على ضرورة نقل المعتقدات والمعارف الأساسية من جيل لجيل، والمحافظة عليها والعناية بها.

وبالنظر في أبعاد النظريات السابقة نجد أن بعضها أوغل في عنايته بالمتعلم وجعله محور العملية التعليمية، وهناك نظريات اهتمت بالمجتمع وبالإنتاج وبحاجات المجتمع، وأهملت حاجات المتعلم، وهناك نظريات اهتمت بالمعرفة وجعلت لها قدسية عالية، وأهملت حاجات المتعلم وحاجات المجتمع.

      وبالعودة لمحور هذا المقال نجد أن النظريات التي تُنادي بالاهتمام بالمتعلم، وبمهاراته، وبخبراته، وبصقل شخصيته، وبمراعاة جوانب نموه هي التي تتماشى مع فكرة التحول نحو الفصول الثلاثة، أما النظريات التي تعلي من شأن الاهتمام بالمعارف والمعلومات وتدعو لتخريج طلبة يحملون ثقافة موسوعية في مختلف العلوم والآداب فلا شك أن تلك النظريات تتصادم مع فكرة التحول نحو الفصول الثلاثة، وغني عن القول: إنه مازال هذا النوع من التنظير يلقى اهتمامًا واسعًا لدى بعض التربويين، خصوصًا في دول العالم الثالث؛ لأن التعليم وفق هذا التوجه التقليدي يعتبر الأقل مؤونة، ولا يحتاج إلى معلمين بمواصفات مهنية عالية، ولا إلى تجهيزات تعليمية متطورة.

     ومع تطور الفكر التربوي المتسارع وتطور أبحاث التربية برز في الميدان العديد من المنطلقات والتوجهات المستقبلية الهادفة إلى تطوير التعليم، ومن هذه التوجهات ما يلي:

  • الاهتمام بالكيف وعدم التركيز على الكم المعرفي.
  • الاهتمام بجوانب النمو الخمسة (الروحي والنفسي والعقلي والاجتماعي والنفسي)
  • الاهتمام بتنمية المهارات، وجعل المعلومات وظيفية وليست غاية في حد ذاتها.
  • الاهتمام بدقة قياس مخرجات التعلم وبمؤشرات الأداء.
  • الاهتمام بجودة إعداد المعلم.
  • التناغم بين مخرجات التعليم العام والتعليم العالي.
  • التوازن بين الاهتمام بالثقافة المحلية، والقدرة على الانفتاح على العالم الخارجي.
  • الاهتمام بقيم المواطنة والتسامح والتعايش.
  • الاهتمام بدمج التقنية في التعليم كرافد مهم في العملية التعليمية والتربوية.

وفي ضوء ماسبق؛ فإنه يمكن القول: إن التحوَّل لنظام الفصول الثلاثة ينبغي أن يركز على تلك المبادئ والتوجهات وتجاوز الإيغال في تقديس المعرفة، والاهتمام بالمهارات، وتنمية الخبرات، وجعل المعلومة وظيفية وليست غاية في حد ذاتها، وبالمثال يتضح المقال فكم من طالب يحفظ شروط الوضوء ولا يحسن الوضوء، ويحفظ تعريفات أحكام النون الساكنة ولا يحسن التلاوة، ويعرف تعريف الحال والصفة ولا يحسن إعرابهما، ويحفظ العشرات من القوانين الكيميائية والفيزيائية ولا يستطيع القيام بتجربة واحدة، ويعرف عشرات الأعراض للأمراض ولا يعرف علاجها علاجًا صحيحًا، وقس على ذلك فنجد الطالب يدرس لعدة سنوات تربية رياضية كمادة دراسية وكتخصص في مرحلة الجامعة، وهو لا يحسن السباحة أو لعب كرة اليد أو الطاولة أو أي لعبة من الألعاب الفردية.

      وفي ظني أن التحول للدراسة وفق نظام الفصول الثلاثة سيكون حلًا رائعًا لتطوير التعليم إذا تم توظيفه التوظيف الأمثل في ضوء ماتم ذكره أعلاه، وسيسهم في تقليل الملل المتولد من طول الفصل الدراسي خصوصًا في ظل استمرارية العمل في الميدان التربوي بسياسات وأطر المنهج بمفهومه القديم الذي يركز على تقديس المعرفة وتضخيم العناية بالمعلومات على حساب العناية بالمهارات وتنمية الخبرات.

      كما أن هذا التحوَّل سيسهم في تسريع تخريج الطلاب خصوصًا في المرحلة الجامعية؛ حيث سيزيد عدد الفصول الدراسية وسيقل عدد الأعوام الدراسية، مما يساعدهم في سرعة الانخراط في سوق العمل أو في الالتحاق بالدراسة في درجات علمية أعلى، ونتيجة لسرعة التخريج وتقليص عدد سنوات الدراسة سيتحقق معه كفاءة إنفاق عالية.

   وما أود أن أختم به هذه المقالة هو مقترح إعادة النظر في موضوع الإجازات المطولة خلال تنفيذ الفصول الثلاثة، وتقصي مدى الحاجة لها اقتصاديًا وتعليميًا، وقياس هذا الأمر قياسًا صحيحًا بعيدًا عن الآراء الذاتية والتقويم الانطباعي تحقيقًا لمصلحة المتعلم من جهة ومصلحة الوطن من جهة أخرى.

الأستاذ المشارك بقسم المناهج وطرق التدريس بجامعة الباحة

One Comment

  1. زادك الله علمًا دكتور عبدالرحمن، لقد أوجزت ملخصًا علميًا وقدمت طرح جميل مستند لأدلة واقعية 👍🏻

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button