ليلة من ليالي الوفاء الخالدة بحضور الشاهد والشهيد فيصل- يرحمه الله تعالى- وبحضور الشهود نخبة من رجالات مكة المكرمة لرغبة ملك برؤية تعليم متقدم في كل مدن المملكة ولكن الليلة تحديداً تنسج الرؤية للحديث عن انبثاق الأمل ليُشاهد ماثلاً على ثرى أطهر البقاع أم القرى ولم يتوانى المخلصان صدقة وسراج كعكي-يرحمهما الله- سيدا الأعمال المكيان بأخذا زمام المبادرة المباركة وطلب الموافقة الكريمة؛ للبدء في الحال للنهوض بالمشروع التعليمي الحالم على أرض رحيبة للكيان المأمول بحي أم الجود فكانت خطى الموعد تُسابق صدق الوعد وقبل نهاية عام ١٣٩١هـ تم ما يُرتجى فعله وكتب التاريخ اسم صرح تربوي حديث تحت مسمى مدرسة الملك فيصل النموذجية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة لأول مدير لها اسمه المربي الفاضل الأستاذ زاهد إبراهيم قدسي- يرحمه الله – ومن هناك بدأت القصة ومن هنا ستبدأ تفاصيلها الجميلة فعلى ساعديه كانت البدايات الصعبة والناجحة في الوقت نفسه. فعمل بكل ما يملك من علم ومعرفة ومهارة وقدرة فائقة؛ لجعلها منارة من منارات التعليم ليس في أم القرى فحسب بل في المملكة العربية السعودية.
وفي هذا الشأن يقول المرشد الطلابي بالمدرسة سابقاً الأستاذ القدير محمد سعيد باداود عن تلك الفترة: “يبدأ اليوم الدراسي مع تباشير الصباح بحضور جميع المعلمين والإداريين في الوقت المحدد تحت إشراف الأستاذ زاهد قدسي ومساعديه- رحمهم الله وحفظ من بقي- في المرحلة الابتدائية والمتوسطة ويبدأ الطابور الصباحي وأمام كل صف معلمه وتتم الفعاليات بأداء النشيد الوطني ويتوجه كل صف مع معلمه إلى حجرة الدراسة ومن ثمّ تبدأ جولة الأستاذ زاهد التفقدية على جميع مرافق المدرسة لايترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويطلع عليها، ثم يتوجه للمقصف، ثمّ للملاعب، ثمّ الى مواقف الباصات؛ ليتأكد من سلامتها وحفظها من العبث حاملاً معه في جولته دفتراً؛ لتسجيل الملاحظات ومن ثمّ العودة إلى الإدارة، ويكون اليوم الدراسي على وتيرة عالية من الانتظام في الدخول والخروج. وكانت توزع الكتب الدراسية والجداول في بداية العام الدراسي لكل طالب أما الزي الرسمي فيتكون من بنطلون رصاصي وقميص أبيض للمرحلة الابتدائية، وبنطلون بني وقميص أبيض للمرحلة المتوسطة. ويكون خروج الطلاب بإنسيابية تامة للباصات من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الثالث المتوسط. وكانت المدرسة ملتقى للوفود التعليمية داخلياً وخارجياً. قضيت في المدرسة ثلاث وثلاثين سنة ولله الحمد مر علي عدة مدراء كانوا كلهم متميزون والأستاذ زاهد في مقدمتهم وهو حقيقة إنسان عملي. أما مواقفه الإنسانية فهي كثيرة جداً معي شخصياً ومع جميع الإداريين والمعلمين وخاصة مع المستخدمين مواقف صادقة لا يعلمها إلا الله وحده، أيضاً كنا لانحتاج أن نُراجع الدوائر الحكومية فقد كان يتكفل بقضاء حاجاتنا، كما كان يبحث لنا عن أي منافع خارج المدرسة غفر الله للأستاذ زاهد ورحمه وأسكنه فسيح جناته”.
إن من الجميل أن هذه المدرسة النموذجية قد حققت غاياتها في أول سنوات مبكرة من إنشائها بتقديم تعليم متميز من خلال المناهج الصفية وغير الصفية، وعبر إمكانيات بشرية فائقة لمعلمين وطنيين وعرب في مختلف المواد الدراسية، وإمكانيات ماديةكبيرة، ومبنى تعليمي بمواصفات عالية جداً من فصول واسعة، ومصلى، ومرافق، وأفنية داخلية وخارجية، وملاعب، وغيرها تقودها إدارة طموحة على هرمها قامة شامخة بحجم أ. زاهد إبراهيم قدسي كان نتاجها جيل عظيم يتسلح بالعلم والإيمان والمعرفة والثقافة خدم دينه ومليكه في مواقع عديدة في مختلف أنحاء هذا الوطن الغالي. وقد سطرت هذه المدرسة إنجازات خالدة في سماء التعليم. كما كانت محط أنظار قيادات تربوية وتعليمية من داخل المملكة وخارجها من العالم العربي والإسلامي لما احتوته من مشاريع تعليمية لها من الجودة والابتكار والإبداع الكثير من التميز والفائدة والإعجاب لكل مستفيد وزائر.