لو قيل لي قبل نحو ثلاثة عقود عندما كنت أحضّر لدراساتي العُليا في مجال المال والإدارة… في ولاية كاليفورنيا وعندما كنّا ننتظر بالأيام والأسابيع لنهاتف أهلنا وأحبتنا في المملكة أننا سنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم في عالم التقنية …لما صدّقته …فقد كان ذلك وقتها ضربًا من ضروب الخيال…والمستحيل…
وها نحن بعد انصرام ثلاثة عقود…نستطيع أن نهاتف أحفادنا في الصين أو اليابان أو أوروبا..أو أمريكا في أي وقت نشاء…بل ونشاهد ما يفعلون على شاشة هاتفنا الذكي!
لقد مكنت ثورة الذكاء الصناعي الإنسان أن يفعل ما يشاء وفي أي وقت. مكنته من أن يطلب وجبته المفضلة لتصل إلى منزله في أسرع وقت…وحتى عندما يحتاج لعشاء مفضل…فكل ما عليه فعله هو الاستعانة بالعم (جوجل)؛ ليعرف كيف يمكنه الحصول عليها في عقر داره وفي لمح البصر!!!
لقد حوّلت ثورة الذكاء الصناعي…العالم إلى (قرية صغيرة) يستطيع من يعيش في أقصي أقاصي كرتنا الأرضية.. أن ينتقل في ثوانٍ معدودة إلى وطنه…وأحبته…ويتواصل معهم…بالصورة والصوت.
وأذكر في هذا المجال…أغنية كنا نسمعها أثناء زياراتنا لديزني لاند في مقاطعة أورانج كاونتي بمدينة أناهايم بولاية كاليفورنيا تقول كلماتها: (إنه عالم صغير…)
(It’s a small World after all….)
في ذلك الزمان لم يكن يخطر ببالنا ما سيكون عليه حالنا اليوم في عالم تحوّل بالفعل إلى قرية صغيرة…بالصوت والصورة… وأصبح فيه بالإمكان أن تنتقل من الحي الذي تعيش فيه في الوطن إلى أقصي أقاصي الأرض…. وبمجرد ضغطة زر على هاتفك الذكي…
أتمني أن يكون القادم من ثورة الذكاء الصناعي التي نعيشها اليوم أفضل لحياتنا الاجتماعية، وأن ينعكس ذلك على علاقاتنا وترابطنا الأسري الذي يشهد بدايات عزلة مكانية…حين تجد جميع أفراد الأسرة مشغولون بهواتفهم حتى في تجمعاتهم العائلية الأسبوعية.
والمؤسف ما يبدو من عدم الاهتمام بالآثار التي سيتسبب بها الذكاء الصناعي بزيادة البطالة في المجتمعات التي بدأ الذكاء الصناعي في غزوها سواء من الصحافة أو بعض الكتاب.. ففي زيارة لأحد مركز الحوالات السريعة للدول الأجنبية بجدة فوجئت بجهاز يمكن المستخدم من التحويل دون الاستعانة بأي موظف ليقوم بالتحويل وأن بإمكانه، وفي أي وقت استخدام الجهاز دون مساعدة وعندما سألت المسؤول عن مركز الحوالات قال لي: سيكون القادم أفضل.. إذ إن هذا المركز سيخطط لخفض عدد الموظفين العاملين فيه بحيث قد تأتي خلال عام أو نحوه لهذا المركز فلا تجد فيه أي موظف…وستقوم بإنهاء كل حوالاتك الدولية على هذا الجهاز فهل فكّر كل من تناول موضوع الذكاء الصناعي بالتفاؤل والإيجابية كيف ستكون نسبة البطالة في البنوك السعودية؟ لا أظن أن ذلك قد خطر على بالهم (!)
*كاتب صحفي
ومستشار تحكيم دولي