المقالات

قطار الشهرة إلى أي وجهة؟!

تحت ظل التطورات التكنولوجية ومع عوامل التغير في المُجريات الزمانية نحو التقدم التقني في وسائل التواصل الاجتماعي وآثاره على الأسرة والمجتمع بلا شك أحدث نقلة نوعية ومؤثرة على كافة الأصعدة، فلو أردنا أن نصف سُلّم منهجية حياة الشهرة والمشاهير نجدها تُمثل علاقة طردية مع وسائل التواصل الاجتماعي وعلى وجه الخصوص تطبيق (سناب شات)؛ فهو أكثر التطبيقات يميلون إليه أكثر المشاهير لسهولة الإرسال في نقله للمعلومات والفيديوهات والصور والمنشورات المرئية بطريقة مباشرة واضحة وجليّه بعكس التطبيقات الأخرى، تحت ظل هذا الفضاء الرقمي توسعت مفاهيم الشهرة والعاملين في بنائها وتكوينها وتقوية أواصرها “المشاهير”، أصبحت في هذا العصر الحديث معنى ومضمون ومحتوى سائل يتلاطم ببعضه لا حدود له، كل يدلي بدلوه، الراقصة والمُغنية يدّعن الشهرة، الكُتّاب والأدباء والمفكرون وأصحاب الرأي يدّعون الشهرة، التُجّار والأثرياء ورجال الأعمال يدّعون الشهرة، عارضات الأزياء ” الفاشنيستات” يدّعن الشهرة، العروسان الجُدد يدعون الشهرة، العالم والباحث يدعون الشهرة، إذًا بالجملة الاستفهامية: لِمن هي الشهرة؟ ومن الذي يستحقها؟ وللمؤرخ الفيلسوف ابن خلدون مقولة شهيرة في هذا الشأن يقول: (إن حب الشهرة يشل حركة المجتمع الإيجابية ليحولها إلى شكليات ومظاهر ومسرحيات، يخادع بها بعضهم بعضًا، فالشهرة حين تصير غاية في ذاتها، فمعنى ذلك تفشي الكذب والنفاق والخديعة والتصنُّع، وغياب القيم الحقيقية)، فبعض المشاهير يتخيَّل ويرسم بذهنه طريقة عمل الشهرة فيستمر ثم يستمر في نشر الفيديوهات بأي طريقة ووسيلة أولها كسر العادات السائدة في المجتمع كي يُخيّل إليه أنه الفريد النادر من نوعه، فيهتك القيم ويُجازف بِخرم هويته الثقافية مقابل الإعلانات واستجلاب المتابعين، وفي جانب آخر من النساء من تستعرض وترتز تستعري وتُعرّي بجسدها أمام الكاميرا لتسويق بعض منتجات التجميل لكسب مال ربحي، ومنهم من يكون من الطبقة الوسطى أو الأقل منها يرى نُدرة الوظائف في سوق العمل فيتجه إلى الشهرة على حساب الآخرين غير مدرك ولا مبالٍ بما يقدمه من محتوى بزعمه أنها هذه العفوية، وروح الفكاهة ثم إذا رأى ازدياد المشاهدات وكثرة (اللايكات) ظن أنه فعل بأمر لم يفعله أحد من قبله، وهذا ما ينطبق على نظرية التعزيز لِسكينر، وهو ارتباط يحدث ما بين السلوك الذي يقوم به الفرد مع التعزيز الذي يحصل عليه، كثير من مستخدمي برامج ⁦‪التواصل‬⁩ ⁦‪الاجتماعي‬⁩ يتفاخرون بعدد المتابعين.
‏لِنتذكّر أن نوح عليه السلام دعا قومه 950سنة فلم يتبعه إلا 80 مؤمنًا، إذًا كثرة المؤيدين ليست دلالة على صحة الطريق “فاديم زيلاند” فيزيائي ومفكر أحد المؤثرين في الفكر البشري المعاصر كان يرفض الشهرة بالرغم من استحقاقه الكامل لها صاحب نظرية فضاء الاحتمالات الذي ربط بين فيزياء الكم والتنمية الذاتية لخلق الواقع الجديد للبشرية، ومع ذلك كان إذا خرج من بيته يرتدي نظارة سوداء تغطي نصف وجهه حتى لا يتعرف عليه الناس والإعلام والصحافة بداية إصدارات زيلاند كانوا الناس يتهمون دار النشر أنه تسوّق لشخصية وهمية غير موجودة على أرض الواقع بل حتى يقولون دار النشر لديه فريق عمل من المؤلفين المحترفين الذين يُخرّجون هذه الإصدارات؛ فكانت الناس لم تره ولا تعرف بداياته ولا أحد يعرف أين يقيم بالضبط، صرّح أنه لا يريد أن يكون معلمًا لأحد وجاءت شهرته بعد أن طوَّر هذا العالم، أصبح في جداول التصنيفات العالمية، وبالرغم من أن شهرته ضربت الآفاق وصار أشهر من نار على علم إلا أنه آثر التخلي عن امتيازات الشهرة مفضلًا الحفاظ على خصوصية حياته الخاصة، وفي جانب آخر من نظرياته النظرية التي عُرفت باسم: ترانسيرفيج أو نظرية البندول، مختصرها تقول: إن الحياة عبارة عن بندولات أو تيارات وكل بندول نشأ عن طريق شخص أو مجموعة، وصار يتغذى على طاقاتهم واهتمامهم بها، هناك ملايين من البندولات تجرف الناس إليها دون أن يعوا ذلك، ويمثل على ذلك بالتيارات الفكرية أو السياسية التي تجرف الناس معها دون وعي منهم فتبقى حياتهم معلقة بهذا التيار أو البندول، ويستنفذ كل طاقاتهم دون وجود فائدة لهم، ما حال بعض الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم مشاهير يؤمن ويصدّق نفسه بنفسه، من السلوكيات المنتشرة عند من يدّعون الشهرة “الاستهلاك التفاخري والمظهري” استهلاك كممارسة اجتماعيه تحدد قيمة الفرد ومكانته في المجتمع، عندما يحوز الفرد على سلع معينة سيارات مذهبة أو الساعات النادرة لتعكس نجاحات هذا الفرد وإنجازاته مقارنة بالآخرين.
الاستهلاك التفاخري ليس فقط لشراء السلع بل لتميز الفرد عن غيره في استعراض الممتلكات الخاصة والتميز المادي، ومن حيث إنفاق الأموال للتباهي والتبهرج في المناسبات والولائم ورحلات السفر، وقد يصل الأمر أن يقترض من أحدهم كي يظهر بهذا الشكل الاجتماعي، أن تكون مشهورًا؛ فهذا من أبسط ما يمكن فعله ولكن معيار الأثقل من ذلك هو كيف تملئ مضمون ووعاء هذه الشهرة، ختامًا على الإنسان أن يعرف موقعه في زحمة الدعايات ويحدد هدفه في سعة هذه الحياة.

أخصائية اجتماعية

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button