#تراثيات
كُثروا الشعار، وكَثُرت القصائد، ولكن وكما قال الحطيئة:
الشعر صعبٌ طويلٌ سلّمه
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلّت به إلى الحضيض قدمه
والشعر لا يستطيعه من يظلمه
أراد أن يعرّبه فاعجمه..!
وعندما تقارن شعر الأقدمين بشعر المعاصرين، تجد أن الفرق مثل ما هو بين الليل والنهار !
تعالو لنقرأ ما قاله متنبي الديار الجنوبية (محمد بن غرم الله الثوابي) في هذه الأبيات:
حيّر اليوسي ودوسي والقَرَى والسُّلمي جبران
لو يجينا سيل عليب وأعترضنا له لنشرب مايه
إذًا الموضوع فيه إعلان خبر مؤكد بأنّ أبناء زهران الأربعة #حيّروا؛ أي رجعوا، فاتفقوا واتحدّوا فأصبحت كلمتهم واحدة وصفهم واحد، وكما قال المثل: قومٌ تعاونوا ما ذلّوا. فبعد الاتفاق والاتحاد أصبحوا من القوة للدرجة التي لو مضى عليهم سيل وادي عليب، وهو من أكبر الأودية في تهامة زهران، وسيله من أقوى السيول إذا سال، لو مضى عليهم لما تحاشوه أو صرّفوه، بل شَرِبوه !
طيب وماذا بعد؟!
لكل من يشك في قوّتهم وعزيمتهم أو يستغرب ذلك، ويريد إثباتًا وبرهانًا فالأمر بسيط جدًا!
أنشدوا عن دقْلنا في شبرقة، والقرن والعُرَش.
أنشدوا يعني أسالوا عن دقلنا، والدّقل يعني الدخول بصفة قوية جدًا؛ ولذلك وصف السيل إذا كان غزيرًا بـ #الدّقل، فقد كان دخولهم أيام الحرب مع الأتراك الذين كما قال الأقدمون لم نرَ من حكم الأتراك إلا الهلاك، كان دخولهم عليهم في هذه القرى التي كانوا متواجدين الأتراك فيها، كان بطريقة دخول السيل من مضايق مجاريه في تلك الأودية الكبيرة مثل وادي عليب!
طيب ثم ماذا حصل بعد دخولهم على الأتراك في تلك الأماكن؟
هل صار هناك سجال وأخذ ورد، أم هزيمة وانتصار؟
لا. الأمر كان أكبر من ذلك للدرجة التي لا يمكن أن يتخيلها البشر، ناهيك عن شعراء هذا العصر.
قد يقول أحدكم طيب أخبرنا ماذا حصل؟ ولا تتركنا نتيه في الخيال للدرجة التي تصل بنا إلى الضلال! فقد بالغت يا أبا أحمد في الكلام.
وأقول لكم: أبشروا فلدي ما يثبت أن الذي حصل كان شيئًا نادرًا، بل واستثنائي ! وفي الحقيقة أني كنت أتردد أن أخبر أحدًا بهذا الخبر؛ لأنه فوق الخيال.
يقول بن ثامرة:
سَجَدَت حتى الحصى، وإبليس حيّر صايمٌ ويصلي!
يا ألله ! ماهذا؟ طيب وماذا عن الأتراك؟ لماذا نقلتونا من معركة بين زهران وآل عثمان إلى عالم الحجارة والشيطان؟
كيف تسجد الحصى؟
وكيف يرجع إبليس يصلي ويصوم؟
الأمر بسيط. فالأتراك انتهوا تمامًا، ولم يبقَ إلا الحجارة التي كانوا يقفون عليها، ويستخدمونها أحيانًا في الرمي، والشياطين التي كانت تحرضهم وتأمرهم بانتهاك العرض واحتلال الأرض، ولذلك عندما رأوا دخول أبناء زهران؛ اليوسي والسُّلمي والعُمَري والدّوسي، لم يكن أمامهم إلا أن ليس فقط استسلامهم، بل إسلامهم والبدء في تطبيق أركان الإسلام، صلاة وصوم.
طيب ولماذا استسلموا بهذه السرعة أولئك الشياطين؟
السبب واضح وهو كما قال ابن ثامرة في بيته الآخير:
والشياطين أسلموا وشيوخهم صلوا على النبي.
فإذا أسلم الشيوخ وصلوا على النبي ! أفلا تريدون أتباعهم من الجنّ يسلمون ويستسلمون ويصلّون ويصومون ويسبّحون ويكبّرون؟
قولوا معي: سبحان الله والحمد لله والله أكبر.
القصيدة كاملة:
حيّر اليوسي ودوسي والقَرَى والسُّلمي جبران
لو يجينا سيل عليب وأعترضنا له لنشرب مايه
أنشدوا عن دقْلنا في شبرقة والقرن والعُرَش
سَجَدَت حتى الحصى، وإبليس حيّر صايمٌ ويصلي!
والشياطين أسلموا وشيوخهم صلوا على النبي.