المقالات

نظمي والصالح والسميري وأنا

نظمي هو سعادة العميد محمد نظمي مساعد مدير شرطة العاصمة المقدسة سابقاً.
والصالح هو معالي الأستاذ الدكتور ناصر الصالح ، مدير جامعة أم القرى سابقاً.
والسميري هو سعادة الدكتور خالد السميري مدير الشؤون الصحية بالطائف وبمكة المكرمة سابقاً .
تم ترتيب أسماء أصحاب المعالي والسعادة حسب ترتيب تواريخ الأحداث.

تشرفت بأن ألتقي شخصياً بهؤلاء القامات العظيمة في مكاتبهم، وكان لي مع سعادتهم مواقف إنسانية وسعيدة، تركت في نفسي انطباعاً جميلاً نحوهم، واستفدت منها في حياتي العملية، ولا زلت أتذكر تلك المواقف وأرويها في المجالس إلى يومنا هذا، رغم مضي أكثر من أربعين عاماً أو أكثر من ثلاثين عاماً على بعضها ورغم أن أصحابها هؤلاء كانوا في مناصب قيادية عليا.

في عام ١٤٠٦هـ ، كان عمري وقتذاك ثمانية عشر عاماً وحديث التخرج من الثانوية العامة، وكانت لي معاملة تستدعي مراجعتي لشرطة العاصمة المقدسة من أجل توقيعها من مدير الشرطة، لاستكمال مصوغاتها، حيث تم توجيهي إلى مكتب سعادة العميد محمد نظمي، الذي كان وقتئذٍ يشغل منصب مساعد مدير شرطة العاصمة المقدسة، وحين دخولي لمكتبه شعرت بالرهبة كوني شاباً ليس لديّ الخبرة ولا التجربة الكافية لمقابلة الشخصيات القيادية الأمنية، هذا من جانب ومن جانب آخر كان مكتب العميد نظمي بحكم منصبه الرفيع عبارة عن غرفة ذات مساحة كبيرة جداً طولاً وعرضاً، وكان مكتبه فخم للغاية وبه صور معلقة على الحائط، ذات الحجم الكبير، للمؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، ولخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية آنذاك ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد، في ذلك الزمن، رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته، فهذه الصور جعلت للمكان رهبة وهيبة، وكذلك كان للعلم السعودي ذو الحجم الكبير الشاخص في زاوية الغرفة هيبة أيضاً، وكان سعادة العميد ببدلته العسكرية ورتبته الفخمة المعلقة على كتفيه، يجلس بوقار على كرسيه خلف المكتب يراجع معاملاته من خلف نظارة القراءة التي زادته هيبة على هيبة رتبته العسكرية، لا أخفيكم بعد أن شاهدت كل ذلك ارتفع منسوب رهبتي وكنت وقتها أفكر كيف سوف يستقبلني مساعد مدير الشرطة، ورغم ذلك توكلت على الله وتقدمت نحوه وألقيت عليه التحية وفوراً ترك ما في يده الكريمة ورد علي التحية ببشاشة وبكل احترام وتقدير، حتى ظننت أن حضرته كان يرحب بضابط رتبته عالية قد دخل خلفي ولكن اتضح أن لا أحد غيري في مكتبه، فرحب بي ودعاني للجلوس وعندما علم بموضوع معاملتي أخذ يمازحني ممازحة الأب لإبنه، ويدعو لي بالتوفيق منادياً يا “ابني” كل ذلك حصل رغم أني شاب تحت العشرين، ولست مشهوراً وحضرته لا يعرفني من قبل، فبعد كل هذه السنوات أقول لسعادته، وسأظل أقولها لآخر يوم في حياتي، جزاكم الله خيراً سعادة العميد، على حسن تعاملكم مع الشباب.

وفي عام ١٤١٠هـ تقريباً عندما كنت طالباً بجامعة أم القرى، قررت الدخول إلى مكتب عميد كلية العلوم الاجتماعية، وكان وقتها هو سعادة الأستاذ الدكتور ناصر الصالح، الذي عين فيما بعد مديراً لجامعة أم القرى، وعندما دخلت على سعادة العميد ناصر الصالح، كنت أشعر أيضاً بالخوف الطبيعي الذي قد ينتاب الجميع عند مقابلة المسؤولين، وكنت في حيرة من أمري، كيف أعرض طلبي على سعادته وكيف ستكون ردة فعله معي، ولكني فوجئت بأنه استقبلني كالمسؤول الكبير بكل حفاوة وتكريم وببشاشة وأحسن استقبالي، رغم أن هيئتي كانت هيئة طالب وأحمل في يدي كراس الجامعة، فأقول بعد كل هذه السنين لمعاليه، وسأظل أقولها لآخر يوم في عمري، جزاكم الله خيراً معالي الدكتور، على حسن تعاملكم مع الطلاب.

وآخر هذه المواقف كان في عام ١٤٢٩هـ تقريباً عندما طلبت الدخول إلى مكتب سعادة مدير الشؤون الصحية الدكتور خالد السميري، سابقاً، لمعاملة تخصني، وكان سعادته يعلم مسبقاً من مدير مكتبه أني أحد موظفي الشؤون الصحية ولست مسؤلاً ورغم ذلك استقبلني أحسن استقبال وقام من على كرسي مكتبه الفاخر وجلس بجواري بالكرسي المقابل للكرسي الذي أجلس عليه، وكان سعادته يتعامل معي بكل تواضع واحترام وتقدير ولطف والابتسامة لا تفارق محياه، فبعد كل هذه السنوات أقول لسعادته، وسأظل أقولها لآخر يوم في حياتي، جزاكم الله خيراً سعادة الدكتور، على حسن تعاملكم مع الموظفين.

يعلم الله كم أثرت بي أخلاق هؤلاء العظماء، وكم من مرة سردت تلك المواقف المشرفة، وبالأسماء في عدة مجالس وها أنا اليوم، وبكل فخر وشرف، أوثقها في هذا المقال للتاريخ، فجزاهم الله خيراً ورحم الله من رباهم، وكنت أقارن بينهم وبين بعض المسؤولين (المُعَقّدِين لذاتهم والمُعَقِدِيِن لغيرهم) الذين لا يحترمون الموظفين ولا المراجعين، وللأسف كنت أقابل أحياناً موظفين مراتبهم الوظيفية أدنى من مناصب هؤلاء العظماء ولكن كان أولئك الموظفين يتصفون بالجلافة في التعامل مع المراجعين، ويحقرون من شأنهم، فأقول لهم حسبنا الله ونعم الوكيل على سوء تعاملكم مع المراجعين، وسأظل أقولها لآخر يوم في حياتي.

صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به» .

Related Articles

One Comment

  1. ماشاء الله تبارك الله اباحسن. موضوع جميل وسرد جميل. صحت يمينك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button