يستنكر بعض الناس للأسف أعراف وأصول وعادات وتقاليد مايسمى بجيل الطيبين. ولا أستغرب بعض من أغرته الحياة الحالية بزينتها وفتنها ومغرياتها الزائفة وفي مقدمتها وبطبيعة الحال “فتنة المال” ومن خلال المجتمع الجرولي الأصيل وهو صورة مصغرة للمجتمع المكي أعيد هنا لمن يستنكر ويتعالى على ذلك الجيل الذي لم ولن يتكرر من خلال العودة لمشاهدات ماضية ولكنها عالقة وباقية في أذهان كبار الرجال فكأني أرى ذلك الجار وهو يتفقد بيت جاره؛ للاطمئنان على أهل الدار لوجود صاحبها في مكان خارج حدود مدينته، وهناك في الطرف الآخر المرأة الوقورة وقد أنزلت زنبيلها لمن يعنيه الأمر فعاد إليها محملاً بالأرزاق والحاجات، وهناك شباب الحارة يقضون وقت جميل في اللعب بكرة القدم ويأتي فقط من ينبهم على الصلاة في حال اقتراب أذانها، ونفس هؤلاء الشباب تجدهم في مقدمة من يعاون ويساعد أصحاب الفرح منذ بدء المناسبة حتى نهايتها وهذا لايختلف أيضاً وقت المناسبات الحزينة، كما وكأني أشاهد ذلك العمدة الشهم وقد طرق أحد الأبواب المستورة وقضى حاجة أهله سراً بدون أذى أومنة، وفي آخر الليل والناس نيام يقف ذلك العسى الأمين في منتصف الطرق ولا يحمل إلا صافرته بيده؛ ليحمي الأهالي بعد حفظ الله تعالى من أي عابث في أنصاف الليالي، وهنالك مؤذن الحارة يسير بخطى هادئة تجاه المسجد؛ ليعلن عن دخول وقت صلاة جديدة.
وتتعدد الصور والمشاهد مابين الجميلة والطريفة في تلك الحارة أو غيرها فهي لا تختلف كثيراً بل متشابهة في أغلب الأحوال وأضيف وكأني أرى ذلك المُسن وقد افترش في ظل جدار بيته ويقلب مؤشر المذياع على أول محطاته اليومية المعتادة (هنا لندن) فيسمع اعتداءات وتجاوزات وإساءات وانتهاكات فيتنهد بألم وحرقة فيرفع يديه للسماء “اللهم انصر المستضعفين..اللهم انصر المستضعفين”، ثم يأتي على مقطوعة إذاعية مصادفة” أنت فين والحب فين” فيتبسم ويتذكر وكأنه المقصود ويستعيذ بالله، ثمّ يوجه مؤشر المذياع مرة أخرى؛ للاستماع لآيات قرآنية فتستكن نفسه ويغفو بسلام، وتجد أيضاً في مكان آخر مجموعة من شباب الحارة في وسط الطريق وهم يؤدون مشهد كوميدي بسيط يدخل الفرح والسرور على قلوب الناس. ولا تقتصر المشاهد على ماذكر بل هناك الكثير من الذكريات العديدة، والمواقف المؤثرة التي لا يعلمها الجيل الحالي وينكرها حديثو النعمة.
وعلى أي حال وبمناسبة عيد الفطر المبارك أعاد أهالي جرول الكرام ليلة البارحة وبتاريخ ١٤٤٣/١٠/٢٩هحرية في حفلهم المبارك ماضيهم العريق من ذكريات قديمة وأحاديث ممتعة تخلله فنون شعبية متنوعة وسط حضور لافت للنظر وبمشاركة ضيوف محبين لهم من حارات مكية أخرى بدأت بحب وشوق وانتهت بوفاء ونقاء وعلى تفاؤل أمل اللقاء في أعوام وأعوام عديدة-بإذن المولى عز وجل- وهم جميعاً بخير وصحة وسلامة وفي ظل وطن غال وقيادة رشيدة. وىسقى الله تلك الأيام ياجيل الطيبين ويا أهل جرول الأفاضل.
الله على تلك الأيام الخميلة وذكرياتها الجميلة .. نتذكر قبل المغيب بصاحب الإتريك لينير الظلمة الموحشة ونتذكر العسة وصافرته التي تمزق سكون الليل البهيم .. رجعتنا للخلف أيام الناس الطيبة وقلوبهم المرصعة بجواهر الأدب والخلق الحسن إييييه من أيام مجيدة وماض تليد لاتوصف أبد أبد .. حفظك الله ورعاك