جاءت رؤيـة المملكـة 2030 لتقدم خطـة وطنيـة تنمويـة شـاملة تهـدف لتحويـل المملكـة العربيـة السـعودية إلـى أنمـوذج رائـد فـي العالـم مـن خلال تمكيـن أبنائهـا لإطلاق طاقاتهـم وقدراتهـم، من خلال العمل على توظيف الطاقات الشابة والبحث عن مصادر متعددة لاستثمار رأس المال البشري وتطويره والخفض من معدلات البطالة.
ومع الثورة التكنولوجية والاعتماد على الآلات وتزايد أعداد الخريجين من الجامعات، واجهت جميع الدول حول العالم مشكلة تزايد أعداد العاطلين عن العمل، وأصبحت البطالة عبئا يثقل الأنظمة العالمية؛ فأصبح لزاماً على الدول البحث عن استراتيجيات بديلة وخطط مستقبلية لاحتواء الأعداد المتزايدة من الشباب خارج سوق العمل، لا سيما في الدول التي غالبية سكانها من الشباب؛ كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، فوفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية، فقد بلغت نسبة البطالة بين السعوديين 11% للربع الرابع من عام 2021، كما كشفت نشرة مسح القوى العاملة التي أعدتها الهيئة العامة للإحصاء عن الربع الأول من عام 2017، أن عدد العاطلين عن العمل من حملة الدكتوراه والماجستير بالمملكة بلغ 6865، تصدرتهم الإناث بإجمالي 5798. وأوضحت الهيئة في تفسيرها للنشرة، أن عدد السعوديين الذكور العاطلين الحاصلين على شهادة الماجستير بلغ 1008 والحاصلين على الدكتوراه بلغ 69 شخصاً، فيما بلغ عدد السعوديات العاطلات الحاصلات على الماجستير 5363 واللاتي يحملن شهادة الدكتوراه 435، وهذا يعني تكدس الخريجين من حملة شهادات الدراسات العليا فضلا عن حملة شهادة البكالوريوس، وبقاءهم خارج منظومة العمل والإنتاج.
إن النظام التعليمي يشكل محورا أساسيا من محاور التنمية، ويرتبط ارتباطا مباشرا باحتياجات المجتمع وتطوره، ولا شك أن التكامل بين التعليم وسوق العمل مطلبٌ لا غنى عنه؛ فمحاولة الفصل بين التعليم وسوق العمل تعني انفصال حلقة الوصل بين سلسلة التعليم من جهة، والعمل والإنتاج من جهة أخرى، وهذا يترتب عليه خلل اقتصادي ينعكس على جميع الجوانب في المجتمع سياسية واجتماعية وثقافية وأمنية، وقد أدركت العديد من الدول ذلك فبدأت بإصلاح أنظمتها التعليمية وربطتها باحتياجات سوق العمل فحققت تقدماً ملحوظا.
ويعتبر نظام التعليم المزدوج أحد المشاريع الإصلاحية لتحسين مخرجات التعليم الثانوي من خلال العمل على تزويد الطلاب بمهارات العمل التي يحتاجونها لسوق العمل، وقد بدأ هذا النوع من التعليم في ألمانيا عام 1974م، في المؤسسة الأكاديمية المهنية، واعترفت به الحكومة الألمانية كنظام تعليمي رسمي عام 1995م، وتتراوح نسبة الطلاب الألمان الملتحقين بهذا النوع من التعليم ما بين 65% إلى 75% في مرحلة التعليم الثانوي، وقد نجح هذا النظام في خفض نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها، حيث يخرج الطلاب من المرحلة الثانوية مزودين بمهارات العمل التي تعينهم على الانخراط في سوق العمل.
وتمثل برامج التعليم المزدوج أحد الحلول المطروحة لربط التعليم في المملكة العربية السعودية بسوق العمل والوفاء بمتطلبات التنمية، لذلك فإنه من الأهمية بمكان رسم توجه تعليمي جديد، يسعى إلى زيادة معدلات التوظيف والذي يعتبر هدفا استراتيجيا من أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والحد من معدلات البطالة من خلال برامج التعليم المزدوج التي تعد خريجي المرحلة الثانوية لسوق العمل، كما أنه يؤمن للطلاب فرصة اكتساب المعرفة العلمية والمهارة العملية من خلال التدريب العملي المصاحب للدراسة النظرية بالاحتكاك المباشر مع أصحاب المهنة ومعايشة واقع العمل في بيئاته الفعلية.
باحثة دكتوراه_ جامعة أم القرى