أول طريقة لتقدير ذكاء أي إنسان هي النظر للشخصيات التي حوله.. نيكولو مكيافيلي. فالأفعال القاسية، والخائنة، واللا دينية، تزيد من هيبة الحاكم الجديد في تلك البلاد التي لم يعد فيها قوة للإنسانية، والأمانة، والدين، وقس ذلك على جميع الأصعدة والمجالات. لا تغتر بحسن هيئة إنسان حتى ترى فعاله جليةً أمام عينيك، فالقدر يرمي دومًا الكثير من الحمقى المحظوظين إلى عِنان السماء؛ حتى إنك تندهش، وتتعجَّب من فعالهم.
يقول أبي عثمان عمرو بن بحر:
أرى زمنا نوكاه أسعد أهله … ولكنما يشقى به كل عاقل
مشى فوقه رجلاه والرأس تحته … فكب الأعالي بارتفاع الأسافل
ويقول عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: سقوط ألف من العليين، أهون من ارتفاع واحدًا من السفلة، ومن علامات زوال الدول.. تولي السُفل. ولكن على ما يبدو تلك نواميس الحياة، ومقاديرها؛ تُبتلى بالحمقى، والمغفلين الذين يقودونك أن سلكت معهم طريقًا إلى موارد التهلكة، ومتاهات الطريق، بحماقاتهم تلك التي أصبحت موضعًا للتندر، والسخرية للقاصي، والداني.
فمن واجب المرء أنه حينما يُبتلى بمثل تلك العينات المختلة أن يكون يقظًا لهم، يبعد كل البعد عن شعاراتهم البالية التي ستعود عليه، وعلى من يتبعهم بالويلات، والحسرات. فكم علمتنا كتب التاريخ عن أولئك المصابين بداء العظمة، بل والجنون؛ عن غبائهم المستشري الذي بلغ الآفاق، وقادوا أتباعهم، أو بالأحرى مطاياهم إلى آفاق مظلمة، ومصير مجهول.
لا تقولوا لي تشاؤمًا ونظرة سوداوية.. حقيقة كالشمس “أن الأغبياء في عصرنا هم السائدون” والقادة حتى لو صنعتهم ظروفهم وطموحاتهم؛ فإنهم في عرفنا مولودون مفقودون. أريد قول الصراحة وما يخالف المألوف. يقولون: إن القيادة موهبة فطرية تمتلكها فئة معينة من الناس، ولا يمكن تعلمها ! ويؤكد آخرون العكس، أنها فنٌ يمكن اكتسابه بالتعلم والممارسة (واللي يعيش ياما يشوف!).. بسمة عدنان السيوفي.
ومن العلامات السبع للمدير أو القائد الفاشل:
1. انعدام الشفافية: كثرة الكذب، اللف والدوران، الغموض، الوعود المخادعة، وتزييف أو إخفاء حقائق وتفاصيل عن العمل هي أساليب حمقاء يقع فيها المدير الفاشل، ويمارسها بجدارة واقتدار بالغين.
2. تقديس الذات وعدم الاستماع إلى آراء الآخرين وانعدام التعاطف معهم، وهذا قمة الإدارة البيروقراطية الفاشلة، والتي قادت الكثير من القادة للفشل.
3. تقدير مؤهلات الموظف التعليمية أو خبراته أو شكله على حساب الموهبة والاداء: يشترك المدراء الفاشلون في أن تقديرهم للموظف يكون مبنيًا عادة على مبادئ أو مفاهيم أو اعتقادات خاطئة أو غير عادلة، فهم عادة إذا فكروا بدفع علاوة أو القيام بترقية لبعض الموظفين، يميلون لاختيار الموظفين الأطول خبرة أو الحاصلين على شهادات أعلى أو أكثر كمرشحين لهذه المكافآت حتى بالرغم من وجود موظفين آخرين يبدعون في العمل، وربما ينتجون ولديهم أفكار وحماس أكثر من أصحاب المؤهلات العالية.
4. الانشغال التام والمتواصل: ربما تبدو هذه النقطة وكأنها ميزة وليس عيبًا، ولكن في الواقع، المدير المشغول بشكل متواصل هو مثال جيد على الفشل لأن هذا يعني أنه لا يجيد إدارة الوقت، لا يجيد تنظيم الأولويات، وبالطبع لا يجيد فن التفويض، ولهذا فهو لا يجد غالبًا وقتًا للراحة مما يقلل من جودة أدائه، كما أنه لا يجد وقتًا كافيًا للإستماع إلى موظفيه، ولا للجلوس معهم بشكل ودي ليقترب منهم أكثر أو ليطور العلاقات بين أعضاء فريقه.
5. عدم تحمل المسؤولية: القاعدة رقم واحد في فن القيادة الناجحة هي أن القائد هو المسؤول الأول، والمدير الناجح قائد وليس مجرد مدير، ولكنه إذا كان فاشلًا فسيكون بدون شك مهووسًا باجتماعات الطوارئ عند كل خطأ أو خسارة. الهدف من تلك الاجتماعات التي يحشر فيها كل موظفيه من أكبرهم إلى أصغرهم هو أن يلقي على رؤوسهم محاضرة مملة، طويلة، طافحة بالتوبيخ أو التهديد. إنه يتصور أن مثل هذه الاجتماعات الحافلة بالغباء والبكاء على ما فات يمكن أن تحل المشكلة أو تعوض الخسارة، وبالطبع إذا كان من النوع الدراماتيكي فهو لن يفوت أية مصيبة ليقوم بسرد بطولاته الخارقة، وكيف أنه صبر كثيرًا، وضحى كثيرًا، وتغاضى كثيرًا، وهاهم الآن يخيبون أمله! في هذه الحالة لابد أن يكون هناك موظف منحوس مسؤول عما حدث بالطبع، ولكن المدير الملاك بريء دائمًا، ولهذا سيهتم كثيرًا بأن يفضح ذلك الموظف أمام زملائه المذهولين، ويمسح بأعلى سمواته الأرض ليتعلم ويتأدب، ويكون عظة وعبرة لمن لا يعتبر.
6. الجمود والتقليدية وضيق الأفق: المدير الفاشل تقليدي بشكل خانق، وسيحاربك إذا حاولت العمل بشكل مخالف للمألوف. إنه يشعر بالأمان أكثر كلما كرر نفسه، وكلما اتبع نفس الطريقة التي يتبعها منذ فترة طويلة.
7. الاستماع للغيبة والنميمة. فالاستماع للنميمة، وفتح الأذان للوشاة؛ معطلًا للعقول كما يطلق عليها الخليفة العباسي المأمون.. حياة قائد.
ولعل تلك الصفات الموضحة أعلاه تبين أهم الصفات التي يشترك فيها القادة الفاشلون، أو الحمقى، والذين ابتليت بهم أممهم واتباعهم على مر العصور. فمن السهل التعرف عليهم من خلال التخبطات التي يقومون بها يمنةً ويسرة.. في سبيل إشباع غرورهم ونجاحاتهم وأمجادهم الزائفة التي ابتلي بها أكثر ما ابتلي عالمنا العربي في بعض الدول التي دفعت كل مالديها من تضحيات في ظل وعود كاذبة، وطموحات غبية؛ عادت على أوطانهم بالعار، وسلب الكرامة منهم. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن.. هو إلى متى ونحن نحتمل حماقات، وإخفاقات مثل أولئك القادة الفاشلين الذين أشبعوا دولهم، وأمتهم مرارة الذل، والهوان، والوعود الكاذبة؟
—————————————————————-
محلل سياسي، ومختص في العلاقات التاريخية بين الدول