المقالات

ولي العهد.. وهندسة الشرق الأوسط

قال صاحبي: كانت جولات ولي العهد خلال الأيام الماضية المادة الرئيسة لقنوات الإعلام العالمية، على مختلف فلسفاتها الإعلامية، ومرجعياتها الفكرية، وملكياتها المتنوعة،؛ لذا تناولتها من مختلف الزوايا، والاهتمامات، لما تحظى به تحركات الأمير محمد بن سلمان من اهتمام خاص، وترقب لمخرجاتها، وانعكاساتها إقليميًا، وعالميًا، ما العنوان الأبرز لهذه الزيارة؟
للتعليق على زيارات ولي العهد استضافتني قناة العربية الحدث للتعليق على هذه الجولة، وسألتني المذيعة، ضحى الزهيري عن أبرز الملفات التي فرضتها التحديات في لقاءات ولي العهد؟ فأجبتها بأنها فرص ذهبية وليست تحديات، فالتغيرات الجيوسياسية التي ألقت بظلالها على المنطقة والعالم، تعاملت معها السياسة الخارجية السعودية في مقاربة فريدة نابعة من رؤية سياسية، ومنطلقة من ركائز راسخة لبيت الحكمة السياسي الذي دشنته السعودية مؤخرًا إقليميًا، وعالميًا، في مقاربة فاعلة لملفات المنطقة الساخنة على اختلافها وحساسيتها، وتشابكها وتعقيداتها.

اتجهت أغلب تعليقات المحللين السياسيين، عن جولة ولي العهد بأنها تهدف بالدرجة الأولى لتنسيق مواقف الإقليم، في اللقاء المرتقب مع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في جدة، في الشهر القادم، ورغم أهمية هذا الاجتماع، إلا أنني أتوقع أن أهمية هذه الجولة تتجاوز التشاور وتوحيد الرؤى إلى أن لا نغيب أو نغيب عن مشهد ميلاد النظام العالمي الجديد الذي بدت تتضح ملامحه، وأن نصبح شركاء فاعلين في رسم هذه الملامح، وتحديد موقعنا فيه، وتصويب مسارنا وخطواتنا، وأن لا يعيد التاريخ نفسه، ونفاجئ أننا أمام “سايكس بيكو” جديد، أشد قسوة، وفرقة وتأزمًا، وقابلية للتصادم.

من هنا كانت إجابتي على سؤال الزميلة بأننا أمام فرصة حقيقية، فالزيارة ليست برتوكولية، وليست اقتصادية، أو أمنية، أو سياسية، أو عسكرية، فهي أعمق من ذلك بكثير، فهي تُعيد ما تبعثر، وتقرب ما افترق، وتصنع الحاضر المبني على أسس ومصالح وفوائد مشتركة، تعبر بنا إلى مستقبل أكثر اطمئنانًا واستقرارًا، واستثمارًا لمقدراتنا من يد عاملة، وموقع استراتيجي، وقوة اقتصادية وروحية، وقوة استهلاكية قادرة على التأثير في أي اقتصاد سلبًا، أو إيجابًا، فالعالم لا يحترم الدول المتفرقة، ولا يقيم لكلمتها وزنًا قدر احترامه للكيانات المتحدة والمتماسكة.
مجددًا تثبت السعودية بأنها دولة محورية في هذه الكون، لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات تخص المنطقة، أو العالم، فقبل بضع سنوات جمعت السعودية أكثر من خمسين دولة في لقاء مع الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب، من يستطيع هذا غير الرياض؟ في غضون ثماني وأربعين ساعة عقدت السعودية ثلاث قمم بنجاح تام، من يفعلها غير الرياض؟ خلال أزمتين مر بهما العالم؛ أحدهما الاعتداء الإرهابي على قلب الطاقة السعودي، والأخرى الأزمة الأوكرانية، من الذي بدد مخاوف العالم، وكبح أسعار الطاقة من الانفلات سوى الرياض.
قلت لصاحبي:
السعودية.. تُعيد هندسة الشرق الأوسط، وترسم معالمه الجديدة على قاعدة عدم الانحياز إلا لمصالحه.

أ. د. عبدالله العساف

استاذ الإعلام السياسي_ جامعة الامام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى