كان جدي رحمه الله يذهب إلى سوق السبت ممتطياً صهوة حمارته النجيبة ذات البردعة المبطنة بالكتان والديباج المخملي وفوق الحِلس (البردعة) خُرْجٌ محبوك بالقصب والصوف ،وله كتل قرمزية ، كالجلنار تتدلى من فوق حقوي حمارته النجيبة وكان يسميها “سَكَبَهْ”فإذا هبط بها السوق هابته العشائر لمكانته الاجتماعية.
وقدرته على التأثير ، والإصلاح ،والفصل في النزاعات بين الناس فقد كان من عراف القبيلة وشيوخها ، وكان يحتزم في خاصرته بجنبية نافعية مزخرفة بفصوص الفضة ولها سلة تخطف الأبصار.
كان صاحب مهارة في بناء الحصون ، والقلاع ، والمنازل الحجرية ، فكانت له ربشات وزهمله كعازف البيانو في وضع الحجر بعد اختياره ، وكان يشبه الحجر الذي يصلح للواجهتين بالصديق الوفي الذي يجمِّل صاحبه في الوجه والقفا.
وفي ذات يوم أطلعني على بعض الأخاديد في رأسه نتيجة سقوط جلمود من الصخر انفلت من يد البناء المعاون وضرب رأسه !!
حينها تنهدت أنا بحرقة حين تذكرت نيوتن عندما ألهمته الجاذبية تفاحة سقطت على رأسه !! بينما جدي شجت رأسه جلاميد الصخور ، ولم تلهمه الجاذبية !
بل كان همه الوحيد أن يبلغ الناس عفوه عن عميله قبل أن يهب الثائرون للأخذ بثأره.
ثم مرت صيرورة الزمن لتعيد رسم المنازل حتى حولتها إلى لوحات أخرى مختلفة وكذلك الوجوه ، والأجساد ، كما قال هيرقليطس إنك لن تعبر النهر مرتين ، فلا أنت أنت ولا ماء النهر هو الماء.
وكذلك من شارف على الشيخوخة لن يعيش عمره وعمر غيره .
وصدق الشاعر الذي قال :
“كم وجه باشر عليه الموت واتلف زيونه” !!
0