تعدُّ رحلة ابن رشيد السَّبتي من أفضل كتب الرَّحلات التي دوَّنها العلماء لما أودعه فيها من متين العلم وأخبار ملاقاة العلماء ومذاكرتهم، وهذه الرّحلة مطبوعة محقَّقة في خمسة مجلدات، وعنوانها : (ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة).
والمؤلف هو محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد ابن إدريس بن سعيد، أبو عبد الله، محب الدين، المعروف بابن رشيد الفِهري السِّبتي، ولد سنة 657 هـ/ 1259 م في سبتة ودرس بها على أبي الحسين بن أبي الربيع النحوي، ثم أخذ عن علماء إفريقية (تونس) والأندلس. ورحل إلى المشرق لأداء فريضة الحج سنة 683 هـ/ 1284 م، فدخل أفريقية ومصر والشام وأخذ بها وبالحجاز عمن لقي من الأئمة. وعاد إلى سبتة، عن طريق الأندلس سنة 686 هـ/ 1287 م، فأقام بها حتی سنة 692 هـ/ 1293 م، حين دعاه صديقه الوزير أبو عبد الله ابن الحكيم إلى غرناطة، فانتقل إليها وولي الإمامة والخطابة بجامعها الأعظم، ثم قضاء الأنكحة، واستمر إلى أن اغتيل الوزير ابن الحكيم عام 708 هـ/ 1308 م، فعاد إلى المغرب وأقام بمراكش، وقدم للصلاة والخطبة بجامعها العتيق، ثم استدعاه السلطان أبو سعيد المريني إلى فاس، وصار من خواصه بها، وأقام على ذلك إلى أن توفي سنة 721 هـ/ 1321 م.
وقام برحلته لما بلغ الخامسة والعشرين على عادة المغاربة، قال المقري في “ازهار الرياض”: (رحل إلى المشرق لأداء فريضة الحج ولقاء أهل العلم سنة ثلاث وثمانين وست مائة، وكانت إجازته البحر من المرية فتلاقى بها هو وذو الوزارتين أبو عبد الله بن الحكيم وكان قصدهما واحد ومسعاهما متعاضداً؛ فترافقا في السفر، كما ترافقا في الوطن
ومن كتب أدب رحلات الحج رحلة الشَّيخ الشِّنقيطي صاحب أضواء البيان وعنوانها ( رحلة الحج إلى بيت الله الحرام )، ورحلة محمد رشيد رضا بعنوان : ( رحلة الحجاز )، ومن أفضل الرَّحلات المعاصرة التي أملاها الأدباء ( مرآة الحرمين ) من تأليف اللواء إبراهيم رفعت وكان أميراً على موكب الحج المصري، ورحلة الأمير شكيب أرسلان بعنوان : ( الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف ).
ومن طرائف كتب رحلات الحج أنَّ أحدهم ألَّف كتاباً عن رحلته للحج باللهجة المصرية العامية أسماها : ( يا هناء للوعد ) وهذا من الغرائب كما يقول الشَّيخ العلاَّمة د. عبد الكريم الخضير، أمتع الله به.
ومنها ما ذكره غلام رسول مهر في رحلة حجه عام 1348هـ من شبه القارة الهندية بعنوان : ( يوميات رحلة في الحجاز )؛ حيث تعجَّب ومرافقوه من انتشار ركوب الحمير في الحج؛ ومن كثرتها التي تعود لانخفاض أجرتها مقارنة بالجمال؛ وهو الأمر الذي يراه أهل الهند عاراً وعملاً قبيحا، ثمَّ تغيَّر رأيه هو وأصحابه الذين كانوا معه وأصلحوا نظرتهم للحمار كمركوب ! بعد أن استخدموه لأداء فريضة الحج، ووصف هذا المنظر بأنَّه رائع؛ إذ لم يسبق لأحدهم أن خاض هذه التَّجربة من قبل.