قال صاحبي: هل استمعت لتصريحات الحوثي بشأن الحج، ما دلالاتها من حيث المضمون والتوقيت، وهل لهذه التصريحات قيمة تذكر؟
تخبرنا أخبار الحمقى والمغفلين بأنه في سالف العصور والأزمان كان هناك من يعمد لارتكاب الموبقات حتى يُذكر بين الناس، وكنت أظن وبعض الظن إثم، أن هذه الأفعال انقرضت بهلاك أصحابها، حتى ظهر مسيلمة الحوثي بخطابه الأخير عن الحج، ليؤكد أنه امتداد لأولئك (البوالين)، فهو يتحدث عن أمر مشهود، من مليون حاج هم شهود الله في أرضه، وهم من عاش ووثق المشهد العظيم والخدمات الجليلة التي تقدمها السعودية للحاج قبل أن يصل إلى المشاعر المقدسة، وحتى مغادرتها.
من تحليل خطاب مسيلمة الحوثي الذي تحدث هذا العام نيابة عن أسياده الصفويين، يتضح جملة من الحقائق؛ أولاها أنها موجهة لجمهور خاص، ذي مواصفات خاصة، أدركها مسيلمة، وهذا ساعده على أن يملأ خطابه بالإفك والبهتان، دون خجل، ومن يقرأ الخطاب، أو يستمع إليه، لن يبذل الكثير من الجهد ليكتشف أنه استند على مضامين مصنوعة لتحقيق أهداف محددة سلفًا.
ثانيًا: أنه يخاطب اتباعه، الذين يعوزهم الكثير من الفهم، والوعي والرشد، فلن يؤمن به غيرهم، ولن ينطلي على سواهم، نتيجته انفصالهم عن الواقع، وحجب الحقائق عنهم من خلال رهن عقولهم للحوثي الذي أصبح ينافس بوق الضاحية بكثرة تصريحاته الخالية من كل ما يشفع بتصديقها، إلا من أولئك المخدرين فكريًا وجسديًا.
ثالثًا: من حيث التوقيت فهو يتزامن مع مناسبتين مهمتين، دينية، وسياسية، ففي مثل هذا الوقت من كل عام اعتدنا على سماع الأصوات النشاز المفلسة سياسيًا وفكريًا، وخلقيًا؛ فالسعودية سياستها واضحة للجميع وهي خدمة المسلمين جميعهم في شتى أنحاء المعمورة، ولا تفرق بين أحد في التعامل، ولذلك فهي لا تلتفت لأي من هذه الشعارات والنداءات المزيفة التي تعوّدنا عليها كل سنة، وهي ساعية في توفير أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين، فالعالم أجمع يشهد للسعودية بما تقدمه من خدمات جليلة للحجاج والمعتمرين دون تفريق بينهم.
رابعًا: وسياسيًا، المنطقة تترقب قمة أمريكية عربية، ولأن مجرد الحديث عن عودة واشنطن للرياض، يثير قلق طهران وأذنابها في المنطقة، ولأن أتباعه من العوام فقد، سعى مسيلمة الحوثي لمخاطبتهم بما يدغدغ مشاعرهم، ويتعامل مع إمكانياتهم البسيطة جدًا في التفكير فيما يقال لهم، وهذا يتضح من جميع ما ورد في الخطاب، فالربط بين زيارة بايدن للسعودية، وبين موسم الحج، دون أن يكون لأي منهما علاقة بالآخر من قريب أو من بعيد، أحد الشواهد، ولكن الحوثي يعرف جمهوره فخاطبهم على قدر عقولهم.
خامسًا: لأن الحج بدت إمارات نجاحه قبل أن يبدأ، من خلال الجهود المضاعفة، والإشادات المستمرة من حجاج بيت الله الحرام بالخدمات المتميزة، والجديدة، والانتقال بالحج من زمن الكورونا إلى الحج في عصر التقنية وتطويعها لتسهيل الخدمات المقدمة للحجاج وهم في بلدانهم، ثم توفير التطبيقات الرقمية التي تتغلب على حواجز اللغة، والأمية وسهلت الحصول على الخدمات من الفتيا، إلى الإرشاد، والأمن، والصحة، وغيرها.
سادسًا: محاولة مغالطة الحقائق التي تخفى على جمهوره الذي تعوز أكثره القراءة والكتابة، فضلًا عن المعرفة، والثقافة العامة، فالتضخم، وغلا الأسعار في العالم، مثلاً حاول الحوثي تحميل السعودية مسؤولية ما تعرض له الاقتصاد العالمي، وما فرضته جائحة كورونا من تحديد أعداد الحجاج، في الوقت الذي أغلقت فيه دول العام حدودها، وألغت فعاليتها، نجد مسيلمة الحوثي يضلل أتباعه، ويفخخ رؤوسهم بمعلومات كاذبة، فلم تتكسب السعودية من الحج، ولم تغلق أبوابها في وجه حاج أو معتمر، بل اتخذت أقصى التدابير الصحية والوقائية التي حصدت شهادة وإعجاب المنظمة المسؤولة عن الصحة في العالم بهذه الجهود، والتي باركتها أيضًا كلمات وخطب أئمة العالم الإسلامي، وغيرهما من المجتمعات الواعية.
سابعًا: سعى الحوثي للعزف على أوتار مبتورة، فشل غيره في استغلالها، ولكنها كما اسلفت موجهة للأتباع ومحاولة لتأليبهم على السعودية، وعلى حقنهم بما يجعلهم مستمرين في غيبوبتهم العقلية، ليستخدمهم كما يشاء.
قلت لصاحبي:
لا يكذب المرء إلا من مهانته.