لوحظ في الفترة الأخيرة زيادة اللغط في كثير من المواضيع الصحية التي تمس صحة الإنسان، وتتداول بين أفراد المجتمع وخصوصًا الأطفال المصابين ببعض الأمراض التي يستلزم علاجهم بالهرمونات، حتى أصبح هؤلاء الأهالي في حيرة من أمرهم نتيجة ما يشاع ويتداول فيصبحون عالقين بين الرغبة الجادة في علاج أبنائهم وفي نفس الوقت الرهبة من التداعيات المغلوطة وغير الصحيحة التي يطلقها هؤلاء المروجون للشائعات، مما يترتب عليه مضاعفات قد لا يحمد عقباها وتنعكس على صحة الأطفال المصابين سواء على المدى القريب أو البعيد.
وأول الهرمونات التي قد يتردد أهالي المرضى حوله هو “الأنسولين” الذي يعتبر أشهر الهرمونات والعقار الوحيد لعلاج الأطفال المصابين بداء السكري النمط الأول، حيث إن هذا النوع من السكري ينتج عن نقص الأنسولين أو عدم وجوده نهائيًّا؛ وذلك بسبب اضطراب في الجهاز المناعي، فيقوم بمهاجمة خلايا بيتا، وبالتالي يصبح البنكرياس عاجزًا عن إنتاج الأنسولين بكميات كافية للجسم، ويكون علاج هذا النوع بأخذ جرعات يومية من الأنسولين على مدى الحياة، وفي حال لم يعالج المرض فإن المريض يدخل في غيبوبة، ولكن للأسف هناك بعض أهالي المرضى وبالرغم من رغبتهم في علاج وتحسين مستوى نسبة سكر الدم عند أبنائهم إلا أنهم يخافون من استخدام الأنسولين خوفًا من حدوث أي مضاعفات لديهم، ويتركون وضع السكر كما هو بنسب عالية فترة طويلة ولا يعطون أبناءهم الجرعات الكافية من الأنسولين حتى تنخفض نسبة السكر، مما يجعل أطفالهم عُرضة للمضاعفات المترتبة -لا قدر الله- مثل ارتفاع نسبة السكر سواء الحادة مثل الحمّاض الكيتوني السكري أو المزمنة على فترات طويلة من الزمن، وهو ما ينعكس سلبًا على حياة الطفل مستقبلًا عندما يصبح في مرحلتي الشباب والرجولة بسبب الرهبة من استخدام الأنسولين، فهنا يجب عدم الالتفات إلى أي مفاهيم أو تداعيات خاطئة عن الأنسولين، وأخذ العلاج ومتابعة الطبيب المعالج كما ينبغي.
ومن هرمونات الغدد الصماء التي انتشرت حوله الكثير من المعلومات المغلوطة والتداعيات غير الصحيحة هو هرمون النمو لمواجهة قصر القامة عند الأطفال، فللأسف هناك بعض الآباء يترددون في علاج أبنائهم قصار القامة بسبب المعلومات التي يتم ترويجها سواء من قبل أشخاص بشكل مباشر أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي حول تأثير هرمون النمو والأعراض الجانبية على صحتهم مما يترتب على ذلك الانعكاسات النفسية على الأطفال الذين يتعرضون للتنمر والمشاكل النفسية والجسدية، والحقيقة أن كل تلك التداعيات لا أساس لها من الصحة، إذ تزداد المخاطر عندما تصبح إمكانية علاج الطفل مستحيلة بسبب تجاوز سن الـ 16 وبجانب انغلاق العظم أو مشارفة الانغلاق، فكلما كان التدخل العلاجي مبكرًا كانت النتائج أفضل وأجدى.
وثالث الإشكاليات هي ما يُشاع عن مخاطر حقن تأخير البلوغ لحالات الأطفال التي لديها علامات للبلوغ في السن المبكرة، فلم يثبت ما هو متداول بين بعض الناس بأن هذه الإبر تزيد الوزن أو تسبب تساقط الشعر أو تؤدي للعقم وغير ذلك، فالهدف من علاج هذه الحالات هو تمكين الأطفال من النمو الصحيح، فأهم الأضرار السلبية للبلوغ المبكر هي: قصر القامة المستقبلي، حيث إنه خلال فترة البلوغ المبكّر تكون القامة طويلة، والإغلاق السريع لفجوات العظم يمكن أن يؤدّي إلى توقف النمو في وقت مبكّر، وبالتالي قصر القامة لاحقًا، بجانب الضغوط النفسيّة والاجتماعية والسلوكية بسبب التغيّرات الجسديّة والهرمونيّة الناتجة عن البلوغ المبكّر والتي لا خبرة للأطفال بها، وقد يتعرّضون الأطفال للاستهزاء من قبل أقرانهم بسببها، أيضًا صعوبة تكيّف الإناث اللواتي يصلن إلى الحيض قبل عمر 9 سنوات، مع ارتداء الفوط الصحيّة وتغييرها، فظاهرة البلوغ المبكر بدأت تنتشر بشكل لافت بين الأطفال وخصوصًا الفتيات، فقد زادت احتمالات ظهور البلوغ المبكر في الإناث أكثر من الذكور، وأيضًا بسبب البدانة، فإذا كانت الطفلة تعاني من زيادة ملحوظة في الوزن فسيزيد ذلك من خطر حدوث البلوغ المبكر، كما أن استعمال الكريمات أو المراهم المحتوية على الإستروجين الصناعي بجانب استخدامات البلاستيك والنايلون أو غيرهما من المستحضرات المحتوية على الهرمونات المسببة يزيد من خطر إصابة الطفل بالبلوغ المبكر، وهنا يكون الحل هو إعطاء الحالات المرضية من الأطفال التي لديها علامات للبلوغ في السن المبكرة حقن تأخير البلوغ المرضية.
وأخيرًا.. أنصح جميع أهالي المرضى بعدم الالتفات إلى أي معلومات تتداول عبر الأشخاص أو قنوات التواصل الاجتماعي، وضرورة الرجوع إلى الطبيب المعالج، وعدم اتخاذ أي قرار من تلقاء النفس قد يؤثر على صحة الأبناء، مع التأكيد أن جميع الدراسات أثبتت منذ 41 عامًا مأمونية هذه العلاجات على صحة الأطفال المصابين.
(*) أستاذ واستشاري الأطفال وغدد الصماء والسكري بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.