قال صاحبي: بعد انتهاء قمة جدة للأمن والتنمية؛ تحدث المحللون عن مخرجات هذه القمة، وقراءاتهم لها من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية والتنموية، ما الذي لفتك أكثر من غيره في هذه القمة وترى أنه لم يأخذ حقه من التحليل والتعليق؟
حملت كلمة ولي العهد في طياتها الحلول العملية لقضايا المنطقة، فهي تعكس قلقًا سعوديًا متزايدًا من الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية لدول الإقليم، ومن هنا أتى عنوان القمة الأمن والتنمية، فلا تنمية ولا حياة بدون أمن.
دعا سمو ولي العهد في كلمته في قمة الأمن والتنمية إلى إيجاد حلول سلمية عادلة لقضايا منطقتنا؛ فهي الكفيلة بإحلال السلام وبالقضاء على التطرف والإرهاب، وهذا لا يتحقق إلا بطرد القوى الأجنبية التي لا تريد بالمنطقة خيرًا وعودة المنطقة لشعوبها وأهلها، وجعلها منطقة منزوعة من الأفكار المتطرفة بدرجة المطالبة بجعلها منطقة خالية من السلاح النووي.
كما حرص سمو ولي العهد أن يتضمن بيان قمة جدة، الهدنة والسلام في اليمن، وعن التزام حل الدولتين والموقف من الملف الإيراني وسياسة التدخلات وزعزعة الاستقرار في المنطقة هذه قيم الكبار التي تحرص على مصالح الآخرين وتدافع عنها، هذه هي الحنكة السعودية النابعة من هويتها السياسية وقيمها الراسخة ومسؤوليتها تجاه أمتيها العربية والإسلامية.
انتهت قمة جدة، وقدمت الكثير من القراءات والتحليلات السياسية والاقتصادية لها، وفي تقديري أن القمة حملت بُعدًا مهمًا جدًا تطرق له الأمير محمد بن سلمان في كلمته، وهو القيم التي تُورث ولا تُفرض، فلكل أمة قيمها الخاصة التي تعتز بها، وتؤمن بها، وتدافع عنها، ولا ترغب في التنازل عنها فضلًا عن المساس بها، وربما كانت بعض الخلافات الناشئة بين الدول بسبب عدم فهم الاختلاف بين الثقافات، وأن من حق كل مجتمع أن يعيش وفق هويته وقيمه الخاصة.
وهذا لا يمنع من وجود مشتركات إنسانية تشترك فيها الأمم والشعوب، فمن دواعي السلام احترام قيم الآخرين وعدم انتقاصها، أو فرض لقيم جديدة على الدول والشعوب تتعارض مع موروثهم وقيمهم وتاريخهم ومعتقدهم، فالقيم كالشجر ينبت ويثمر في أرض، ولا يمكن استنساخها وزرعها في أرض أخرى لعدم توفر البيئة المناسبة لها، ولكن التسامح والتعايش وقبول الآخر كما هو مع وجود مساحة مشتركة هو ما يبني العلاقات بين الدول ويعززها.
فالسعودية والصين مثلًا لكل منهما هويته وقيمه الخاصة والمختلفة تمامًا، ومع ذلك لم يمنع هذا الاختلاف من أن تصبح الصين الشريك التجاري رقم واحد للسعودية. هذا هو التطبيق الناجح لنظرية الذكاء الثقافي، بالتعامل مع مختلف المعتقدات بفهمها أولًا وعدم التصادم معها، لتحقيق الأهداف السياسية والتجارية وغيرها.
ما طرحه الأمير محمد بن سلمان عن القيم الخاصة لكل أمة، يتناغم مع ما تنادي به النظريات الحديثة في العلاقات العامة الدولية، وغيرها من النظريات، التي تدعو لعدم فرض قيم الرأسمالية على المجتمعات كافة، بل واستحالة ذلك، ففرض هيمنة ثقافة ما على شعوب العالم محكوم عليها بالفشل، بل وبالصراع.
ولحسم الجدل العلمي حول الخصوصية الثقافية لكل مجتمع، يستشهد أنصار هذا الاتجاه بنجاح الشركات العالمية بالعمل باستخدام استراتيجيات مختلفة تتوافق مع هوية وقيم كل مجتمع تتوجه إليه بمنتجاتها، مما يؤكد على أن البرامج الاتصالية للعلاقات العامة الدولية لا تتجاهل الاختلافات المحلية للمجتمعات الأخرى، وهذا ما يجب على السياسي استيعابه والالتزام به.
قلت لصاحبي:
القيم تُورث وتُكتسب لكنها لا تُفرض بالقوة.
0