قال صاحبي: انتهت قمة جدة، ولم تنتهِ التحليلات والتكهنات والأهم تداعياتها المنتظرة على بعض دول الإقليم صاحبة المشاريع التوسعية في المنطقة العربية، التي سارعت لعقد قمة لجرد الحسابات، ومراجعة المواقف والمصالح المشتركة، فما الرابط بين دول قمة -يالطا- طهران، وهل لديهم مواقف متقاربة، أو متعارضة، وهل ستقود المصالح الخاصة للتصادم بين هذه الدول، وما المنتظر من هذه القمة؟
من أصدق الأوصاف على هذه القمة حتى وإن كانت مجدولة قبل قمة جدة، وليست ردة فعل عليها؛ بأنها قمة الشركاء المتشاكسين، الذي ينتظر كل منهم الفرصة للانقضاض على صاحبه، لكن الظروف تُجبرهم على التعايش المؤقت، فبعد عدة قمم من آستانة إلى طهران وأنقرة وموسكو، ظل الاختلاف هو سيد الموقف.
سعت طهران منذ فترة ليست بالقصيرة للسيطرة على سوريا، واعتبارها مجالًا حيويًا لها، بل ذهبت لأبعد من هذا بأن أمن إيران مرتبط بالسيطرة على دمشق، فانطلقت بتنفيذ مشروعها القائم على تفريس هذا البلد العربي بدءًا من تغيير أسماء المناطق، والشوارع، إلى فرض اللغة الفارسية في المدارس، واستبدال المقررات بما يتوافق مع المذهب الصفوي، وأخيرًا وليس آخرًا تغيير التركيبة السكانية باستبدال السكان الأصليين بمجنسين أفغان موالين لنظام طهران العقدي والسياسي.
بدورها روسيا الشريك الثاني الأجنبي في سوريا، أدركت جيدًا خطورة المشروع الإيراني، المنافس للوجود الروسي، والذي تجاوز حلم الهلال الشيعي، ليتحول إلى الحزام الناري ويقترب من الحدود الشمالية للأردن، ولعل هذا أحد الأسباب التي دعت الملك عبدالله الثاني للمناداة بتشكيل ناتو عربي/ إقليمي، فإيران امتدت حدودها من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط!! والذي يمثل لطهران طريق الحرير والشريان الذي تتغذى منه، والحبل السري للالتفاف على العقوبات الدولية، ولتهريب الرجال والعتاد من خلاله.
بحكم وعيها السياسي لم تتصادم موسكو مع طهران، وتفهمت مصالحها، ومخاوفها، لذا ركزت تواجدها في المناطق الساحلية، بينما عملت إيران بنشاط على المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق والمناطق الحدودية مع إسرائيل، واستخدمت الميليشيات الشيعية وبعض العشائر والتيارات السياسية وفعاليات المجتمع المدني، وتقديم بعض المساعدات المالية والإغاثية؛ بالإضافة إلى مشاريع خدمية مثل ترميم بعض المدارس، وجعلها منابر تعليمية تدرس بلغتها منهجها العقدي.
بعد دخول مفاوضات الاتفاق النووي المنعطف الأخير، الذي ترافق مع الأزمة الأوكرانية، والتي نتج عنها حصار اقتصادي خانق من الغرب لروسيا، طالبت الأخيرة طهران بتعهدات مكتوبة بعدم انضمامها لهذا الحصار، كشرط رئيس لمواصلة التعاون بينهما، مما يؤكد انعدام الثقة بين الشريكين في سوريا، وبوادر تفجر الخلافات بينهما، وخصوصًا بعد إعلان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية مطالبة موسكو بضمانات عدم تأثير العقوبات الغربية، المفروضة عليها على تعاونها مع طهران في إطار الاتفاق النووي، كأحد الاشتراطات التي تتمسك بها واشنطن من أجل إكمال المفاوضات.
هذا يؤكد عدم وجود تحالف بين موسكو وطهران، فالحلفاء يجمعهما مصير مشترك، لا شكوك واتهامات متبادلة، فزيارة الرئيس بوتين الأخيرة لإيران لاستكمال محادثات آستانة من أجل سوريا، فالعلاقات الرسمية بين الجانبين لا تختلف عن العلاقة بين أي بلدين في العالم، وفي الحالة الروسية الإيرانية، تجمعهما تفاهمات محدودة في بعض القضايا، وفي المقابل هناك عدة اختلافات حول الملف السوري ومفاوضات الاتفاق النووي في فيينا، والاصطفاف الإيراني المحتمل في المعسكر الغربي لاستكمال حلقة حصار موسكو كأحد الاشتراطات لإتمام عدد من الصفقات السياسية بين الغرب وإيران؛ أحدها الاتفاق النووي بصيغته الجديدة، والتي لا تختلف كثيرًا عن اتفاق أوباما.
خلاصة القول، ما يجمع إيران بروسيا لا يرتقي لصفة التحالف المتعارف عليها، وأفضل وصف لها مصالح مؤقتة متبادلة، فالكرملين يعي جيدًا مكانة السعودية، وثقلها الاستراتيجي في ميزان العلاقات الدولية، ولا يمكن لعاقل استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
قلت لصاحبي:
زواج المُتعة السياسي الذي تمارسه إيران لا حياة يبني.. ولا ولادًا ينجب.