نلاحظ ظاهرة في مجتمعاتنا العربية أن من يحمل مؤهلًا علميًا في أي تخصص من جامعة غربية؛ فإن هذا يعني تمكنه من تخصصه العلمي، وأنه جدير بالثقة و الاحترام، وتولي المناصب الإدارية والقيادية والإشرافية.. هذا من جهة ومن جهة أخرى نحن العرب نرى أن كل علم جديد وابتكار عظيم يخدم البشرية لا بد وأن يكون بجهد الفكر الغربي.. وهذا بالتأكيد يخالف مسيرة التاريخ والحضارة، ولعلنا نسترجع وإياكم حضارات المشرق العربي والإسلامي الذي كان منارة للعلم والعلماء نجد بلا شك أننا أمة العلم وأهله؛ فعبر تاريخ الإسلام منذ عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم عهد الخلفاء الراشدين؛ مرورًا بعصر الأمويين فالعباسيين ثم الأيوبيين والمماليك وحكام الأندلس وغيرها من العصور الذهبية لأمتنا العريقة، نجدها عصور جميعها شجعت على البحث وعلى العلم، وذكرت الروايات التاريخية أن الخليفة العباسي هارون الرشيد من شدة حبه للعلم كان يعطي العالم وزن الكتاب ذهبًا! في هذا الوقت الذي كانت تنشط فيه حركة البحث العلمي، وتنشر فيه آفاق العلم في أرجاء المعمورة كانت أوروبا في سباتها العميق حتى إنهم أطلقوا عليها في تلك الحقبة عصور الظلام لانتشار الجهل، وتفشي الانحلال الأخلاقي والإنساني، وهي الفترة نفسها التي حكمت فيها الكنيسة الغرب بقوة الحديد والنار؛ حيث كانت تجرم العلم وتغتال المفكرين والعلماء بدعوى أنهم يخالفون تعاليمها المقدسة التي تناهض من يشكك في صحة هيمنتها على العقول البشرية! .. على أجيالنا الإسلامية والعربية أن يدركوا بعين العقل أن مشرقهم الإسلامي هو منار العلم في ظلمة الجهل.. وأن كل ما وصلوا إليه الغرب هي علوم مستمد أصولها من تاريخنا وحضارتنا العربية، وعلينا في الوقت نفسه نحن العرب أن نثق في أنفسنا، وفي مخرجات تعليمنا وفي جودة جامعاتنا، وأن نقدر ونحترم العقول العربية المتميزة، وأن نفخر بها؛ ونشجع كل فكر جدير بالاحترام والثقة.. فهم أبناؤنا وأجيالنا، وعليهم آمالنا، وبهم وعليهم تقوى نهضة شعوبنا وحضارتنا العربية.. وعلينا أن لا ننبهر كثيرًا بالعقول الغربية؛ لأنها في الأصل فكر وحضارة عقولنا الأصيلة.
* عضو الجمعية العلمية السعودية للإرشاد النفسي