المقالات

إحياء المدن الاقتصادية: مدينة الملك عبدالله أنموذجًا

عندما أُطلقت مشاريع المدن الاقتصادية، وأبرزها مدينة الملك عبدالله في رابغ، ومدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، في مطلع الألفية الجديدة، كانت أحلامنا تعانق السماء. فهذه المدن المتميزة بأنظمتها وبنيتها التحتية وخدماتها العصرية، تمثل الأمل في تنشيط الاقتصاد السعودي برؤيته الحديثة للقرن الواحد والعشرين.

واليوم، بعد مرور قرابة خمسة عشر عامًا من وضع حجر الأساس لهذه المدن، نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة لأدائها، ومدى تحقيقها لأهدافها، وإمكانية تعديل مسارها وتحديث خططها وإستراتيجياتها لإنجاح مقاصدها.

نجاحات مدينة الملك عبدالله
ولو أخذنا مدينة الملك عبدالله الاقتصادية أنموذجًا، فهناك العديد النجاحات. فالميناء المقام على مساحة 2.5 مليون متر مربع يعتبر من أكبر وأكثر موانئ منطقة الشرق الأوسط تطورًا وكفاءة أداء، مصمم لمناولة 25 مليون حاوية قياسية، وتستقبل محطة البضائع السائبة الصلبة والزراعية والشحن العام 30 مليون طن من البضائع، 1.5 مليون سيارة؛ إضافة لأكبر السفن السياحية ”الكروز“.

وتستقطب المنطقة الصناعية التي بنيت المرحلة الأولى منها على مساحة 6.24 مليون متر مربع، استثمارات عالمية وإقليمية كبيرة، من أبرزها مصنع ”لوسيد” للسيارات الكهربائية، الذي يعتبر أكبر مصنع للشركة الأمريكية خارج بلادها، بطاقة تبلغ ١٥٠ ألف سيارة سنويًا. ولم تكتفِ منطقة المستودعات بتوفير مساحات تخزينية واسعة، بل أضافت أدوات عصرية كـ”الروبوت“ والأتمتة والذكاء الصناعي والرقمنة لتخفيض التكلفة ورفع كفاءة الأداء، وتستضيف الجزيرة المالية فروعًا لمؤسسات مالية دولية وبنوك وشركات تمويل.

كما تضم المدينة ستة أحياء سكنية، لإقامة نصف مليون شخص، تتنوع مبانيها بين قصور وفلل وشقق، وتتوزع على مواقع تقترب وتبتعد عن البحر بحسب قيمتها، وتستمتع بخدمات مختلفة تعليمية ورياضية وترفيهية، ومن أبرز معالمها محطة القطار السريع الذي يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، مرورًا بجدة ومطارها الدولي، وكلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال ومدارس أهلية وعالمية متميزة.

عالم الترفيه
وتفخر المنطقة الترفيهية بأحد أكبر وأشهر ملاعب الجولف الدولية، ويستضيف مسابقات دولية. وهناك الكورنيش البحري والمرسى الذي يضم ناديًا لليخوت، ويتميز الساحل ببنية تحتية متقدمة، وخدمات راقية، وشواطئ رملية بكر، ومناطق سباحة خاصة، وتطل عليه مرافق سكنية وفندقية ومطاعم ومقاهي وجلسات راقية، وتتوافر فيه ملاعب كرة القدم والألعاب المختلفة، وملاعب الأطفال. إضافة إلى خدمات التنقل المختلفة، من الحافلات المكشوفة، والسيارات الكهربائية، إلى الدراجات الهوائية والكهربائية ”السكوتر“، تؤجر بالساعة.

المساحة الخالية
ومع أهمية كل ما سبق، إلا أنه لا يشكل أكثر من سدس مساحة المدينة، أو 30 مليون متر مربع، ونسبة مماثلة من أهدافها ومخططاتها، وبالتالي فإن المجال مجال واسع للاستفادة من قرابة 150 مليون متر مربع من المساحة المتاحة لهذه المدينة المسورة.

وهنا نستبشر خيرًا بدخول صندوق الاستثمارات العامة كشريك رئيسي في الشركة المالكة، بنسبة 25% من أسهمها، وبالتالي دخول الشركات التي يملكها الصندوق، والرائدة في مجال الفندقة والسياحة والترفيه والصناعة والتعليم، للنهوض بالمشروع، وتشجيع الأفكار الإبداعية والابتكارية في تحقيق أهدافه.

مقترحات الدحلان
ويقدم لنا الدكتور عبدالله دحلان في مقاله الأسبوعي، أمس الإثنين، بجريدة المدينة، بعض الحلول المنشودة. فهو يقترح أن نستفيد من حوالي 50 مليون متر مربع لإقامة مشاريع ترفيهية كبرى، مماثلة لـ”يورو ديزني” و”بارك أوروبا” و”القدية”، تتكون من مدينة ملاهي وحديقة حيوانات عالمية، ومركز عروض البحر، ومركز لصنع الأفلام مثل “يونفيرسال ستديوز”.

ويراهن الكاتب على توفر البنية التحتية، وهي الأهم لأي مشروع، لأنها توفر القيمة والوقت لإنشائه، وعلى وجود محطة القطار وسط ثلاث مدن رئيسة، ستسهل مهمة الوصول للمدينة، وتوافر الخدمات المساندة كالفنادق والمجمعات السكنية التي يمكن تحويلها إلى قرى سياحية فندقية، وبذلك ستكون المدينة الترفيهية الوحيدة على طول البحر الأحمر، وستسهم في تشغيل 50 ألف سعودي وسعودية من مختلف التخصصات، على أقل تقدير.

المشاريع البحرية
وأضيف على مقترحات الدكتور عبدالله أفكارًا للاستفادة من الساحل البحري البكر، الطويل، بإقامة مشاريع استزراع سمكية، ومسابقات محلية ودولية للرياضات البحرية، كسباق اللنشات والقوارب، ولاستثمار تنوع وجمال بيئة البحر الأحمر بتنشيط رياضة الغوص والاستكشاف. كما أدعو وزارة الرياضة لتنظيم مسابقات عالمية لسباق الدراجات النارية والهوائية، وماراثونات الجري والمشي.

وسبق أن أقيمت مناسبات فنية وترفيهية في السابق، ثم توقفت، وآن الأوان لعودتها بنكهة عالمية. كما يمكن تفعيل سياحة المؤتمرات والندوات وورش العمل والبحوث البحرية والتقنية، بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية المجاورة، وكلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال، وتنشيط سياحة المعارض والتسوق بالتعاون مع الغرف التجارية في منطقة مكة المكرمة.

ضمانة خالد الفيصل
ولضمان نجاح إستراتجية بهذا الحجم لإحياء مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، وتحويلها إلى أنموذج أكثر تفوقًا للمدن الاقتصادية الجديدة، خاصة أنها تعيش اليوم حالة ركود اقتصادي كبير.
أقترح أن توكل الإدارة والإشراف إلى إمارة منطقة مكة المكرمة، وأميرها رائد السياحة الوطنية، صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، فهو أول من تبنى مفهوم السياحة في الجزيرة العربية، وهو صاحب أول تجربة سياحية ناجحة في البلاد، تحققت في منطقة عسير، رغم البدايات الصعبة، والتحديات الكبرى.

د. خالد محمد باطرفي

دكتوراه في الصحافة والعلوم السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى