قامت وزارة التعليم بإحداث نقلة نوعية في التعليم الجامعي من خلال تحويل كليات المجتمع إلى كليات تطبيقية، وذلك استجابة للتغيرات المتسارعة في طبيعة المعارف والمهن المتجددة وانسجامًا مع احتياج سوق العمل، إن هذا التغيير في واقع كليات المجتمع إلى كليات تطبيقية لم يأتِ من فراغ وإنما مرَّ بمراحل متعددة؛ حيث بدأ في المرحلة الأولى عبر ندوة علمية في جامعة حائل باسم “كليات المجتمع بين الواقع والمستقبل في ضوء رؤية ٢٠٣٠” بتاريخ 30-31/١/٢٠١٩م، حيث تم عرض أوراق علمية حين ذاك من نخبة من عمداء وعميدات ووكلاء كليات المجتمع وممثل من مجلس الشورى وممثل من مكتب الرؤية بوزارة التعليم وبعض الباحثين من عدة جامعات، حيث تم مناقشة وتشخيص واقع كليات المجتمع بشفافية وتحديد الأدوار الجديدة والمتوقعة مستقبلًا للتعليم التطبيقي الجامعي، وتم الرفع إلى وزارة التعليم بتقرير عن نتائج توصيات تلك الندوة العلمية، وما طرح بها من أوراق عمل حين ذاك.
المرحلة الثانية من مراحل التحول إلى واقع الكليات التطبيقية بدأت بقرار التغيير من قبل وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ عندما تم تشكيل فريق عمل بالوزارة لوضع خطة تنفيذية وتفصيلية لإحداث نقلة نوعية في التعليم الجامعي وظهور مشروع “تحويل كليات المجتمع إلى كليات تطبيقية”؛ حيث قام فريق العمل بعقد ورش العمل مع عمداء الكليات والمهتمين من خبراء في التعليم التطبيقي، ثم اتبع هذا لقاء علمي في جامعة طيبة في فبراير 2020م، وتم فيه استعراض لبعض التجارب في التعليم التطبيقي، بعد ذلك تم إقرار عملية التحول إلى الكليات التطبيقية قبل سنة في مجلس شؤون الجامعات، وتحديدًا بتاريخ 14/9/1442هـ واعتماد الخطة التنفيذية والهيكل التنظيمي للكليات التطبيقية.
المرحلة الثالثة والتي تمثلت في التحول نحو التعليم التطبيقي في واقع الجامعات السعودية، والذي انتهج استحداث برامج تطبيقية بالكليات التطبيقية تتسم بالجودة في مناهجها وأدواتها وبنيتها التحتية، ثم بدأ في هذا العام استقبال لأعداد كبيرة للطلبة في تخصصات نوعية ومتعددة، ويرتكز هذا التحول على أن التعلم الحقيقي لجميع المعارف لا يرتبط فقط بشهادات، وإنما بمهارات تطبيقية في حقول الميادين المهنية المتعددة، فالتعليم الذي ينتهج التطبيق العملي في واقع الميدان المهني وما به من ممارسة للأدوار والواجبات يتيح للأفراد التعرف على واقع الكفايات الشخصية.
إن التعليم التطبيقي يتيح للطلبة فرصة إثبات جدارتهم المهنية وقدراتهم التنافسية من خلال تدريبهم على اكتساب مهارات مهنية احترافية من خلال تأهيلهم من واقع الممارسة والتدريب للحصول على الشهادات المهنية الدولية في التخصصات التطبيقية المتعددة، وبالمناسبة فإن بعض هذه الشهادات الدولية قد تجعل شركات القطاع الخاص الكبيرة تستقطب طلبة الدبلومات بعقود رواتب عالية جدًا وتفوق رواتب القطاع العام.
إن التحول إلى التعليم التطبيقي والذي انتهجته وزارة التعليم وفقًا لخطة منظمة من خلال التحول إلى الكليات التطبيقية يرسم خارطة طريق واضحة المعالم للجامعات السعودية، تسير وفق عدة موجهات من أهمها الاحتياجات في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية وفقًا للطبيعة الجغرافية والاجتماعية، ومتطلبات سوق العمل في القطاع العام والخاص بما يحتويه من احتياجات مهنية في كل منطقة.
إن تحريك عجلة التغيير بالجامعات نحو ما يعرف بالتعليم التطبيقي يركز على استراتيجيات متعددة تتمحور حول عدة مجالات يمكن توضيح بعضًا منها على النحو الآتي:
-تشخيص الواقع التعليمي وتحقيق كفاءة الإنفاق عبر برامج تأهيلية لسوق العمل، وبرامج انتقالية للطلبة المتميزين عبر برامج التجسير للالتحاق ببرامج البكالوريوس في المعارف التعليمية المتعددة.
-سد احتياجات سوق العمل المتجددة عبر برامج الدبلومات التطبيقية.
-التغير المرن في التعليم التطبيقي عبر عدة مجالات معرفية متخصصة.
-رفع كفاءة مخرجات التعليم التطبيقي الجامعي عبر الحصول على الشهادات الدولية الاحترافية.
-تحقيق شراكات تفاعلية بين الجامعات ومؤسسات القطاع الخاص والعام في كل مناطق المملكة العربية السعودية.
ونشهد هذه الأيام ولله الحمد ثمرة الجهد المنظم لوزارة التعليم بالتعاون مع الجامعات، حيث إن الكليات التطبيقية تشهد تحولًا نوعيًا في التعليم المرن الهادف نحو تطوير المهارات المهنية، ولذلك قد تكون الكليات التطبيقية – مجرد اقتراح – في المستقبل القريب البوابة الأولى للجامعات لاحتضان الطلبة في دبلومات متعددة تمثل جميع كليات الجامعة بحيث يتم تشخيص كفاءة الطلبة ومن يستطيع الانتقال للكليات لإكمال درجة البكالوريوس، عبر برنامج الدبلوم الانتقالي، كما يمكن تأهيل الشباب عبر الدبلوم التطبيقي التأهيلي إلى سوق العمل وعدم البقاء لفترات طويلة في مقاعد الدراسة، وهذا قد يسهم في تحقيق كفاءة الإنفاق لدى الجامعات.
ختامًا: لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل لمقام وزارة التعليم ممثل بقائد التغيير معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ ونائب معالي وزير التعليم للجامعات والبحث والابتكار معالي أ.د. محمد السديري، كما أتوجه بالشكر والتقدير لرئيس جامعة حائل أ.د.راشد الشريف على حرصه المستمر على تطوير منظومة العمل بالجامعة في شتى المجالات المعرفية والمهنية، كما لا يفوتني أن أشكر فريق عمل مشروع التحول إلى الكليات التطبيقية ممثلًا في وكيل الوزارة للتعليم والبحث والابتكار أ.د. ناصر العقيلي ومدير مشروع التحول إلى الكليات التطبيقية أ.د.أحمد العبد الوهاب وعمداء الكليات التطبيقية وفرق العمل بالوزارة.
*عميد الكلية التطبيقية بجامعة حائل