المقالات

الأسباب والدوافع وراء إعلان الزعيم الديني العراقي مقتدى الصدر الاعتزال

في الفقه الشيعي الاثنى عشرية مسألة التقليد واجبة، وهناك من يقول مستحبة.
التقليد يعني طلب الفتوى من مرجع ديني وصل إلى مرتبة الإفتاء من خلال تلقيه العلوم الدينية التى تؤهله إلى مرحلة استنباط الأحكام، وإصدار الفتاوى.
في ٢٨ أب نشر المرجع الديني الحائري المقيم في قم تغريدة أوضح فيها عدم قدرته على الاستمرار في العمل كمرجع ديني، علل ذلك بسبب كبر سنه ووجه كلامًا وانتقادًا مبطنًا ضد السيد مقتدى الصدر، اتهمه بمحاولة شق الصف الشيعي ومحاولة إضعاف المذهب كما دعى السيد الحائري مقلديه، ومنهم السيد الصدر إلى تقليد الخامئني، الأمر الذي يعني رفع الغطاء الديني عن الصدر؛ حيث إن والده السيد محمد صادق الصدر أوصى مقتدى الصدر وأتباعه في حالة موته بتقليد السيد الحائري، وهنا وقع السيد الصدر بمشكلة فقهية؛ لأنه لم يصل إلى رتبة المرجع، وبقى بدون مرجع ديني يقوم بتقليده.
ردة فعل الصدر كانت أن مكانته لم يحصل عليها من تقليده للسيد الحائري بل اكتسبها من والده السيد محمد صادق الصدر، وألمح إلى أن الحائري قد يكون تعرض إلى ضغوط حدت به إلى اعتزال المرجعية كما أن لا يوجد في الفقه الشيعي أن هناك مرجعًا دينيًا شيعيًا اعتزل أو استقال من من عمله كمرجع، وهذه سابقة لم تحصل سابقًا.
كما قلنا هنا وقع السيد الصدر في مشكلة عقائدية برفع الغطاء الديني عنه، وبقى بلا مرجع ديني يقلدة.
وهذه هي الأسباب العقائدية والفقهية وراء اعتزال الصدر.
في العراق يتداخل العامل الفقهي والسياسي خصوصًا داخل المذهب الشيعي.
أما العامل الآخر وراء إعلان الصدر الاعتزال؛ فهو العامل السياسي لأن يعتبر زعيمًا دينيًا، ولديه أتباع كثيرون، وكان يملك دائمًا الدور الحاسم في المعادلة السياسية العراقية منذ عام ٢٠٠٣م.
في الانتخابات الأخيرة حصل السيد الصدر على أعلى الأصوات في العراق، وكان الأول ب٧٣ مقعدُا، وتبنى الصدر مشروع حكومة الأغلبية الوطنية، وتحالف مع الكتلة الفائزة الأولى من المكون السني، وهي كتلة السيد الحلبوسي، والكتلة الفائزة الأولى من الكرد، وهي كتلة السيد البرزاني، وشكل ما يعرف بالتحالف الثلاثي الأمر الذي دفع الكتل الشيعية الأخرى المنافسة له بتشكيل ما يعرف بالإطار التنسيقي، وعملوا بكل قوة على إفشال مشروع الصدر بتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، وفشلت كل المحاولات في التقريب بينهما، وعمد الإطار التنسيقي إلى تشكيل ما يعرف بالثلث المعطل الذي أفشل عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، والمضي في السياقات الدستورية، وتفاقم الخلاف بين الصدر ومنافسيه من الكتل الشيعية الأخرى الأمر الذي عطل تشكيل الحكومة، وتأخر إقرار الموازنة ودخول البلاد إلى حالة الفراغ الدستوري والانسداد السياسي بشكل كامل، وزادت التوترات والاحتقان الأمر الذي أدى إلى الصدام المسلح حيث عمد الصدر إلى حث نوابه على الاستقالة من البرلمان، وهو ما حصل بالفعل، واستخدم الصدر أسلوب المظاهرات، وتحريك الشارع للسيطرة على المؤسسات، ومنها البرلمان لتعطيل تشكيل الحكومة الذي يريد الإطار تشكيلها.
هذا التعقيد في المشهد السياسي العراقي يعد السبب الثاني الذي دفع السيد الصدر إلى الاعتزال.
لكن هل يتخلى الصدر عن دوره في المشهد العراقي، ويترك الساحة إلى منافسيه الإجابة بالنفي؛ لأن الصدر استمر بممارسة دوره، ولكن بشكل غير مباشر وعمد إلى تغيير آلياته وأدواته في التدخل من خلال إسنادها إلى وزيرة محمد صالح العراقي الذي يعرف بوزير القائد، والذي استمر في توجيه جماهير التيار الصدري، وإبداء الرأي الموافق تجاه المشهد السياسي العراقي.
وبإشراف كامل من السيد مقتدى الصدر.
أما مسألة الاعتزال؛ فهي سوف تستمر لحين حسم موضوع المشكلة العقائدية التى تتعلق بالتقليد.

* باحث في الشأن السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى