تُعد سُلطة الوالدين هي البوابة الأولى في حياة الطفل، وتتكون شخصية الطفل حسب طبيعة علاقته بتلك السلطة. كما أن طريقة تربيتنا لأولادنا، هي التي ترسم لهم خريطة حياتهم في تعاملهم معنا كآباء، أو تعاملهم مع العالم الخارجي. فالأبناء هم صناعة الآباء، وهم مرآتهم في المجتمع. لذلك يعتبر علماء التربية وعلماء النفس أن أسلوب القسوة في تربية الطفل من أخطر ما يكون عليه وخاصة إذا صاحب ذلك الضرب والإهانة والتلفظ عليه بالألفاظ النابية. وقد يُعلل البعض قسوتهم على أطفالهم بأنهم يحاولون دفعهم إلى المثالية في السلوك أو الدراسة. ولكن هذه القسوة ينتج عنها ردة فعل عكسية، فيكره الطفل الدراسة مثلاً أو يمتنع عن تحمل المسؤوليات ويصبح عدوانياً في تعامله فاقداً الثقة في نفسه. وفي المقابل فإن الدلال الزائد والتسامح المستمر يجعلان الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة، ويجبُن عن مواجهة مصاعب الحياة ويعتمد بعد ذلك في كل شؤونه على والده أو ولي أمره…
لذلك ينصح المختصين في التربية أن يكون المربي وسطاً بين الطرفين فيعرف متى يقسو ومتى يعطف وكيف يعطف، فالطفل يحتاج إلى العطف والحزم معاً، والمربي الناجح هو من يعرف متى يحزم ومتى يعطف، وهنا مربط الفرس. فكثير من الآباء والأمهات يفهمون أن التربية لا تتحقق إلا بالعنف والقسوة وهذا الفهم بعيد عن الحقيقة وهو تصور خاطئ لأن الطفل يحتاج إلى حب وعطف وشعور بالعاطفة من قبل أبويه مثل حاجته إلى الطعام والشراب، ولابد أن نُدرك أن الحب أحد أبرز حاجات الطفل النفسية. فإشباع هذه الحاجة ركن أساسي في بناء شخصية الطفل، فبالحب نغرس فيه المبادئ الصحيحة وعن طريق الحب نعُلمه كيف يُحب وكيف ينحب، فقد أثبتت الدراسات أن شعور الطفل بالحب والحنان من أعظم ما يقٌوم سلوكه ويدفعه للعمل الجاد والبذل المستمر والعكس بالعكس، وليس ثمة تعارض بين الحب والتأديب أو الزجر إذا أخطأ الطفل.
فالدَّلع الزائد مرفوض وعواقبه وخيمة، والقسوة المبالغ فيها مرفوضة وعواقبها وخيمة أيضاً، والغياب عن البيت وفقدان الحوار نتائجه كارثيّة على الجميع. لذلك الحل السليم هو بالحوار والتوازن بين الثواب والعقاب والتكيُّف مع متطلبات العصر، فما كان يصلح في الماضي لن يصلح اليوم. لذا، علينا أن ننشئهم في بيئة آمنة تربوياً يسودها الحب والحنان والعطف والاحترام، وأن نربيهم على الاستقلالية والمسؤولية واتخاذ القرارات.
0