صالون مكة الأدبيمنتدى القصة

قصة ” العصا السحرية ” للدكتورة كاميليا عبد الفتاح ” ‏وفلسفة الكتابة للناشئة


‏- هل يحرص مؤلف قصص الأطفال أن يكون مؤلفا ، أي أنه يتعمد أن يؤلف حكاية خصيصا للطفل ، على أن تشد هذه الحكاية اهتمام قارئها وتثير لديه أكبر قدر من الانفعال والتطلع إلى تطور الحكايات ومصائر أبطالها ؟!.
‏- من الملاحظ أن الطفل العربي – غالبا – يبحث عن عالم مفقود ، عالم يجيب عن أسئلته التي لا يجد لها تفسيرا في الواقع الذي يعيش فيه ، ولهذا يضطر كاتب قصص الأطفال إلى اختراع حكاية ما ، لها أسلوبها البسيط والسهل ، ويعالجها بنوع من العفوية والبراءة ، وكما يقول ” توبياس وولف ” لكي تكون كاتبا تحتاج أن ترى الأشياء على ما هي عليه ، وكي ترى الأشياء على ما هي عليه ، تحتاج إلى قدر من البراءة التي يزودك بها الأطفال ” وهو ما وجدته في قصة ” العصا السحرية ” للكاتبة د/ كاميليا عبد الفتاح ، بداية من حكايتها الحوارية الجذابة والتي تتلخص في أن بطلها الطفل ” أسامه” والذي رحل عنه والده لهذا كانت أمه حريصة على أن تجعل منه إنسانا مسؤولا ، ولمّا أصبح في مقتبل وعيه لم ينس أبدًا حكاية ” العصا السحرية ” التي كانت أمه تقصها له في سني عمره الأولى ، وباتت العصا السحرية منتهى أماله وأحلامه ، لأنها – في ظنه – قد تُغنيه عن العمل والتعب ومشقة الحياة ، وتبدأ رحلة ” أسامه ” التي بدأت بالأم ، ثم كبار السن من أهل القرية ، وهم أصحاب مهن وأعمال شاقة ، فالعم تختوخ / خبّاز سمين ، والعم سباطة / طالع النخل ، ودقدوق / هو حداد القرية ، وأيضا شرغوش الصياد، وعم أبو شمعه /نجار القرية العجوز ، والعم سُكر الذي يحرث الأرض ، فضلا عن حكيم القرية ، وكلما ذهب أسامه إلى واحد من هؤلاء أجابه بأنه اهتدى إلى عصاه السحرية ، وأسامه لا يقتنع ، إذ كيف يعمل ويشقى أحدهم رغم أنه حصل على عصاه السحرية ، ولكنه عندما التقى بحكيم القرية قال له : العصا السحرية التي تبحث عنها لا وجود لها في الواقع ” اجعل عصاك السحرية في طلب العلم ، ثم اجعلها بعد ذلك في سوق العمل ، العلم يمنحك خريطة الوصول إلى الكنوز ، والعمل يضع هذه الكنوز في يديك ” وهكذا كانت العصا السحرية هي رحلة أسامه للبحث عن ذاته من خلال عدة فصول ، كل فصل منها كان رحلة علم وعمل ، أدرك من خلالها أنهما الكنز الذي يسعد الإنسان في حياته ، بداية من سؤال القصة الجوهري من أسامه لأمه وإجابتها عليه :
‏أُسامة : هل يتمدد الإنسان ويتسع كالأماكن يا أُمي ؟
‏تقول الأم مُبتسمةً (وهي تفتحُ الشباك الخشبيّ للشمسِ المشرقةُ الفتيَّةِ ) : يتمدد ويصيرُ أوسع كلما اتسع عقلُه وازداد علمُهُ وخبرتُه بالحياة ”
‏- ” العصا السحرية ” واحدة من الروايات القصيرة الهامة للناشئة ، التي تبلور بعدا جديدا قديما من منظور طفل فقد والده في سني عمره الأولى ، والكاتبة كانت حريصة على إظهار هذا المعنى باعتباره السبيل الوحيد لمعرفة الحياة على حقيقتها ، ومن خلال صناع الحياة أنفسهم ، بحيث نجد هذا التوجه المباشر الناضح في الرواية تتساوق فيه بنية الأحداث مع تركيبة الشخصيات ، خاصة بعد تجربة الفقد التي قد تعرض لها أسامه ، والتي قد يتعرض لها أي إنسان ، والرواية تؤكد أنه لا يمكن أن يكون هذا الفقد عائقا عن استمرار الحياة ..
‏إن الإنسان – وإن كان صغيرا مثل ” أسامه ” عليه أن يملك تلك الروح اليقظة النشطة التي تربطه بتلك السلسلة اللانهائية التي تربط الكائنات ببعضها ، والكاتبة الواعية جدا تستشف الجوهر من العَرَض ، والمضمون من الشكل ، ولهذا كانت حريصة على المزج بين الحوار والسرد في محاولة لإيجاد الأسلوب الملائم لرحلة الأسئلة ، من خلال سارد / أسامه باعتباره الشخصية الرئيسية والمرتكز القاعدي لبنية السرد والتلفظ ، سواء في المقاطع الحوارية أو السردية التي تتطور وتنمو تصاعديا ، ومن خلال نسق تعاقبي ينبني عبر عدة أصوات سردية مختلفة ساهمت في حيوية التطور الدرامي ، الشيء الذي يجعل القارئ الصغير ينجذب للنص ويفك شفراته بسهولة ويسر . وعليه فالكاتبة في الحقيقة لم تبتعد عن منطق العقل ومنطق الحياة في حالة البحث عن الذات ، وابتعدت عن الثنائي الشهير في أغلب قصص الأطفال : الخير والشر أو العدل والظلم ، واستطاعت من خلال لقاءات أسامه بنماذج مختلفة من الناس أن تصور أحوالهم وطبيعة حياتهم ، أي أن القارئ تعّرف على نماذج إنسانية سوية ، ومن خلالهم يكتشف ويتعلم ويترك في نفوسه الأثر والوعي الذي تريد الكاتبة توصيله إلى قارئها.
‏- وبعد ، ففي رأيي أن الكتابة للأطفال ربما تكون هي المرآة الحقيقية الدالة على تقدم المجتمعات أو تأخرها ، ولهذا أتوقف طويلا أمام أي تجربة حقيقية في الكتابة للأطفال ، وفي روايتنا اعتمدت الكاتبة فيها على الطريقة التقليدية في قص الحكاية ، ثم جعلت من الحوار تيمتها الأساسية في متابعة دراما هذه الحكاية وهو ما قلل من أسلوب الوصف وابتعد باللغة عن المجاز ، والحوار مكّن الكاتبة من تشكيل شبكة من الحِكم والتوجيهات ، ورغم ذلك استطاعت أن تحافظ على المسافة الحيوية بين الحدوته ومنهج حكيها ، بمعنى أننا بإزاء اجراءات فنية مهمة ، منها تكرار عنوان القصة في متن القصة ، وهذا التكرار صعّد الدراما في النص ، وهي طريقة لها تأثيرها في الناشئة ، أيضا الساردة/القاصة كانت واعية جدا .. فقد استبعدت ذاتها من التدخل في أحداث القصة ..رغم أنها السارد العليم الذي يحكي بصيغة الماضي ، ومع هذا الكاتبة استطاعت أن توحي لقارئها بأن قصتها من الواقع وليست من الخيال ، فقد بدأت روايتها القصيرة هكذا ” كان أسامه يشعر بالحزن الشديد بعد وفاة والده ، كان يتألم لأنه مازال صغيرا لا يستطيع أن يكون مسؤولا عن البيت وعن والدته الغالية ” ويبدأ أسامه في تذكر حكاية العصا السحرية التي كانت أمه تحكي له حكايتها قبل النوم ، تلك العصا التي تُخرج الكنوز .. وهو ما يوّلد الرغبة لدى هذا.. الأُسامه .. في البحث ، وحالما يعرف الحقيقة ، وهو المستوى الأعمق من القصة ذاتها ، والذي تنشده الكاتبة ، للتأكيد على أن زمن المعجزات والخرافات قد ولى ، وأن السهولة في تحقيق الأحلام أمر مستحيل إن لم يكن قائما على معطيات الواقع ومواجهته كما قال حكيم القرية لأسامه : اذهب الآن وابحث عنها يا بني ، حيث يوجد الشجر والنخيل والفأس والطيور والماء والبذور ، فلتبحث عن عصاك السحرية في الأرض الطيبة الخصبة ، وفي كل نبتة رطبة ، وفي فروع الأشجار ، ابحث في باكورة النهار ، ستجد العصا السحرية أينما وضعت يديك ، ولكن عليك بالصبر ، فالعصا السحرية ثمينة وماكرة ، لن تظهر لك إلا إذا تشققت يداك وآلمتك ، ونفرت عروق ذراعيك وأوجعتك ، وانساب منك العرق كأنه سحابة أو بئر ماء تتدفق .. وهكذا سيجد قارئ هذه الرواية الجميلة أنها ليست نصا للتسرية عن الأولاد والبنات ، وأن قراءتها لن تنتهي بحالة سلبية ، لأنها تدفع بقارئها أن يتجاوز حدود النص الذي يقرأ إلى الواقع الفعال الذي يعيش فيه .. وعبر تقنيات تتولى تحويل الحوار إلى أداة قصصية تعطي للقص بعده الدرامي الجميل ، فضلا عن النغمة الإنسانية التي تنتاب الحكاية كلها .. التي جاءت في تسع مقاطع هي الأم ،أهل القرية ، الحكيم ، الفأس، الكحقل والمنشار والفطير ، الحكيم مرة أخرى ، الثمار ،مع الحكيم دائما ، العصا السحرية في القرية . ومن خلال هذه المقاطع تكشف الكاتبة عن مدى قدرتها على مهارة التعبير الجدلي في نص جميل أرى أن الكبار به أولى ..
‏-

تعليق واحد

  1. خالص تقديري وامتناني لرىيس التحرير الاستاذ عبد الله الزهراني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى