منذ انضمامي لقوافل جمهور برنامج السناب شات الشهير والذي يحظى بشعبية كبيرة بين الأجيال وأنا أحاول تجنب زخم المشاهير والمعلنين أو من أصبحوا مشاهير معلنين بعد ذلك، ولهم إعلانات بملايين الريالات، أولئك الذين لا تعني لي متابعتهم أي شيء، إذ لا فائدة مرجوة من هذه المتابعة. يهدف تطبيق سناب، كغيره من تطبيقات السوشيال ميديا، إلى تعزيز التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال يقوم شخص ما بتسجيل أو بث أو مشاركة الرسائل المصورة إلى متابعيهومن ثم يتولى المتابعون الرد والتعليق ويحدث التفاهل الاجتماعي المزعوم. البرنامج وضع فكرته العبقرية كلٌّ من إيفان شبيغل وبوبي ميرفي، وهما طالبان في جامعة ستانفورد .وعن طريق التطبيق، يمكن للمستخدمين التقاط الصور، وتسجيل الفيديوهات، وإضافة نص ورسومات، وإرسالها إلى قائمة التحكم للمتابعين. ومن المعروف أن هذه الصور ومقاطع الفيديو تُرسَلُ على أنها “لقطات”. ويعين المستخدمون مهلة زمنية لعرض لقطاتهم من ثانية واحدة إلى إحدى عشرة ثانية، وبعد ذلك تُحذف الرسائل من جهاز المستلم وتحذف من الخوادم الخاصة بسناب شات، أيضًا.
وقد اكتسح التطبيق كل المجتمعات التقنية واعتبارًا من مارس 2021، وتقول إحصاءات إن عدد مستخدمي سناب شات قد بلغوا 590 مليون مستخدم نشط يوميًا. وبحسب آخر إحصائية فإنه يجري إرسال أكثر من 8 مليارات سنابس يوميًا. وفي هذا الصدد تقول شركة سناب إن عدد مستخدمي سناب شات في السعودية النشطين شهريًا بلغ أكثر من 20 مليون مستخدم. ويشير هذا إلى أن التطبيق غدا من أكثر تطبيقات التواصل الاجتماعي شعبية بين المستخدمين في السعودية. كما تقول الشركة إن 90 في المئة من المراهقين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 34 عامًا في السعودية هم من مستخدمي التطبيق، وهو ما يوضح الشعبية الكبيرة للتطبيق بين المراهقين والشباب.
على أنه من المهم الإشارة إلى أن التطبيق لا يشكل مشكلة بالمرة حتى مع كل هذه الشعبية الكاسحة بين جمهور ما في مجتمع ما. غير أن ما أود التركيز عليه في هذه السطور العجلى هو المحتوى الذي اطلعت عليه بشكل عابر وكان صادماً إلى حد كبير والسبب هو أن نسبة كبيرة جدًا من المحتوى الذي يقدمه أفراد من المجتمع السعودي يحتاج إلى وقفة وتحليل. فمعظم ما يقدم يركز بشكل كبير على الشكل لا المضمون والقشور لا الأصول. فماذا يعني أن تبلغ مشاهدات لمقاطع لا تحمل أي محتوى مفيد وقصارى ما تقدمه هذه المحتويات صور ليوميات شخصية لسيدة ما مثلًا، لأسرتها وأبنائها وحواراتهم، تجذب ملايين المشاهدات. أو مقاطع للحياة اليومية في المطعم أو البحر والتي لا تحمل أي فكر جديد مفيد للطرف الآخر، تجذب أيضًا ملايين المشاهدات. أو مقطع تقوم فيه إحدى المشاهير بتقديم إعلانات عطور وبخور الواحد تلو الآخر وتطلق ضحكات مبتذلة على أمر لا يفهمه المتلقي، ولا يشكل أي قيمة حقيقية له تسهم في تنميته ورقيِّه… ولمعترض أن يعترض بالقول الأمر اختياري وبإمكانك عدم المشاهدة. وهذا اعتراض وجيه، ولكن ما أنا بصدد مناقشته هنا هو فن صناعة محتوى مفيد للآخرين يسهم في تنمية المجتمع وترقيته لا انحطاطه، محتوى يمثل قيم المجتمع وقيم مؤسساته، ويعكس ثقافته لكن أن تركز معظم مقاطع سناب على المظاهر والمطاعم والتسوق والموضة والحياة الشخصية والإعلانات التجارية والعادي من الأشياء وتغفل عن صناعة محتوى جاد وذي قيمة حقيقية لهو أمر يتطلب وقفة تربوية من مؤسسات المجتمع لأن الخلل سيمس شريحة كبيرة ومهمة أعني تلك التي تمثل جمهور السنابيين والسنابيات.
لا أعمم مشاهداتي المحدودة على الجميع فبكل تأكيد ثمة محتوى قيم للبعض لكنه يتوارى خجلًا أمام زخم من المقاطع ذات المحتوى الضعيف والضحل. وبعد، فصناعة المحتوى مهارة وفن لا يتقنها إلا من كانت له أهداف واضحة محددة للخروج للعامة من الناس ليعزز من ثقافة ما ويقدم علمًا في قالب تقني أو حتى يقدم مهارة يحتاج إليها جيل اليوم. ولأن لكل بضاعة مشتريًا فإن البضاعة الرخيصة جدًا التي أتحدث عنها لها مشترون أيضًا وبأعداد كبيرة كما لها متابعون كثر تصل للملايين بشكل غير مباشر من خلال المعلن الذي لا يهمه بالتأكيد المحتوى قدر اهتمامه بالوصول لأكبر شريحة ممكنة من الجمهور الذي سيشتري المنتج.
لم تؤثر هذه البرامج التي يؤمل منها زيادة ثقافة المجتمع وتعزيز التواصل الاجتماعي_ بناء على مسماها_ تأثيرًا إيجابيًا يذكر، علاوة على تعزيز صورة نمطية سلبيىة عن المجتمع السعودي وإسهامها على نحو كبير في التباعد الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، وإسهامها كذلك في تعزيز النزعة الاستهلاكية إلى حد لا يتخيله عقل. ولا يسعني هنا إلا التصفيق للدكتور آلان دونو في كتابه “نظام التفاهة” الذي يؤكد أن “من عواقب نظام التفاهة هو الإصابة بالهوس المالي، وبالقيمة المطلقة التي تتمتع بها النقود فتكون قادرة على تحقيق أية طموحات. ويؤدي ذلك إلى آثار اجتماعية وخيمة كظهور شخصيات تعاني من أمراض نفسية مرتبطة حصراً بالنقود، مثل الجَشع والإسراف والطمع وغيرها”.
وحتى لا نعاني من تبعات اجتماعية خطيرة نتيجة متابعة جيل الشباب لهولاء الذين لا يعني لهم الظهور بلا محتوى قيم إلا جمع الأموال وتلك غاية تبررها الوسيلة من منظورهم، وذلك مبدأ خاطئ تمامًا. من غير المقبول دينيًا ولا أخلاقيًا وقيميًا الظهور بذلك المستوى الضحل وغير اللائق، من أجل المال والشهرة فقط أو الوصول لأكبر شريحة ممكنة. وإذا كان الأمر كذلك، بات من الضروري السعي إلى إيقاف تداول المشاهد التافهة وإلغاء المتابعة للمحتويات الضعيفة ودعم وتعزيز الحسابات الهادفة لتطغى على غيرها. كما ويتحتم علينا أن نتوقف عن دعم المعلنين الذي يعززون بقاء مشاهير التفاهة واستمرارهم، وذلك مبدأ قرآني أصيل وهدف نبيل ألمحت إليه غير ما آية في القرآن الكريم، من نحو قوله تعالى “كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. وقوله أيضًا “كذلك يضرب الله الأمثال». (الرعد:17).
0