يُعدّ صراع الهوية لدى الإنسان بشكل عام ولدى الشباب بشكل خاص من أكثر الأسباب لنمو مشاعر القلق والاضطراب الفكري، ذلك لأن بناء الهوية واكتسابها لملامح ثابتة ومستقرة تتسم بالتناسق والاتزان يُعدّ من أهم الأهداف التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها وخاصة في مراحل الشباب الأولى. كما يُعد ذلك هدفاً من أهداف المربين والمهتمين بالصحة النفسية.
وقد شهد العالم في العقود الثلاثة الأخيرة ما عرف باسم ثورة المعلومات، وازداد انتشار أدوات المعرفة والأجهزة التكنولوجية بصورة لم يسبق لها مثيل، وبصورة خاصة الإنترنت والهواتف المحمولة والأجهزة الحاسوبية المتنوعة. وانتشرت معها وسائل الإعلام الحديثة وما عرف فيما بعد بالإعلام الإلكتروني أو الإعلام الجديد.
ومن وجهة النظر الإسلامية ينبغي النظر إلى هذه الثورة الجديدة في وسائل الإعلام من زاوية واسعة حتى تتبين حقائق الأمور أمام أعيننا، لأن ثقافة العولمة التي تنبثق من الحداثة المادية بكل خصائصها، تنطوي على أخطار عديدة تتهدّد الهوية والثقافة الوطنيتين في آن واحد، مما يؤكد قوة الترابط والتلازم بين الهوية والثقافة أيا كانتا، وهو الأمر الذي يستدعي تقوية العلاقة بين العنصرين الرئيسييْن من عناصر الكيان الوطني للأمم والشعوب الإسلامية: الهوية والثقافة؛ لأن في الحفاظ على الهوية والثقافة وقايةً من السقوط الحضاري، وصيانة ً للذات، وتعزيزًا للقدرات التي يمكن التصدّي بها لضغوط التحدّيات مهما تكن.
إن الحفاظ على الهوية لا يعني الانغلاق عن العالم الخارجي وعن الثقافات الأخرى والبعد عن الإعلام بمضامينه المختلفة، إنما لابد من الاستفادة من مستجدات العصر قدر المستطاع مع الحفاظ على المقومات الأساسية لقيم مجتمعنا وهويتنا، وتمكين المجتمع بأفراده وفئاته المختلفة لاسيما الأطفال والشباب لاستيعاب المستجدات العالمية، لإن تأصيل الهوية لا يعني الانغلاق وإنما مجاراة التطور مع الحفاظ والاعتزاز بالهوية. فالحل الأمثل في هذا السياق يكون بتكوين الفرد الواعي الذي يأخذ ويعطي ويتفاعل بوعي، ولا يكون مجرد مستقبل يستهلك كل ما يقدم، والإعلام يمكن أن يكون أداة هامة في تأصيل الهوية والتشجيع على الحفاظ عليها وترسيخها لدى الأفراد والمجتمعات.
@Ange22228