المقالات

هل يعود العراق كشمسٍ دافئة؟

لم يتسنَ لي زيارته سوى قراءة اطلاعية في الكتب الجغرافية بحكم التخصص إلا أن العراق ملء الروح والقلب؛ فقد ملأ الذاكرة التاريخية وزينا نهرا دجلة والفرات الشهيران جغرافيتها المتشحة بإخضرار يسكن الأحداق بهجة، ومدينة الرشيد بغداد بقيت ضوءًا معرفيًا على مر التاريخ تشع بنور العلم والفن والمعرفة؛ فجاء المغول لإطفاء ذلك الوهج العربي لتدك خيولهم الآثمة المدن والقلاع وتسفك سيوفهم الدماء ويسحقون بجبروتهم الحرية؛ لتزداد همجيتهم بقذف الكلمات المضيئة في مياه النهر ليصطبغ بزرقة الحبر واحمرار الدم، مجلدات من الجرائم البشعة كوشم لم يندمل، وبقي صوت المتنبي يأتي من خلال نصوصه الشعرية وفلسفته يتدارسها الدارسون:
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
ليشاركه أبو تمام بتأملاته العميقة، والبحتري بروعة سبك قصائده وحلاوة موسيقاه و… غيرهم، ويستريح الزائر في ظلال أشجار نخيل العراق الباسقات، ويشاهد مياه النهرين في أصايل الأيام لتشكل أشعة الشمس الذهبية لوحات فاتنة تلك هي عراق الروح، ويستمر يغذ في البهاء ليفتش أوراق المخطوطات بحثًا عن سطور محيت بفعل جرم هولاكو وجيشه.
تلك هي بغداد نخلة مثمرة سكنت غرف القلب
نجمة تشع في أحلك الليالي لتضيء مسالك الزمن الطويل ودروب الأماكن البعيدة
بغداد نسمة عذبة تتسلل من بين أشجار الليمون والبرتقال
بغداد تغاريد عصافير تتشوق؛ لأن تحط على أغصان ريانة، العراق شموخ عربي فاره انكسر وتشظى، وبقي حزنًا عظيمًا يتلمظ بوجع في قلوب محبي عراق العروبة.
ذلك هو العراق.. صور مؤثرة وصوت حزين بسبب ما اقترف من جرائم وحروب افتعلتها القوى لتكسر شموخ الرشيد الذي بناه، وتظل بغداد أغنية كلماتها منتزعة من شق القمر ومنسوجة من شعاع الشمس معطرة برحيق الورد لأغنية موجعة تسوقها الرياح إلى مفازات ومفازات تمر مفاصل الأغنية كأوتار عود في يد عازف ليهز مهج القلب..
التاريخ الطويل لبغداد ينطوي كصفحات منقوش عليها أوجاع وبكاء، هكذا الحاقدون فعلوها لسلب إرادتها وتمزيق أحشائها وتفريق كلمتها، وبقيت المآذن باكية والورود ذابلة والنهران يذرفان الدموع.
هل تعود مدينة بغداد كما كانت؟ كخيل أصيل وثمر نخل مشتهى، وشمس دافئة…
تلك قصة العراق التي لم تنتهِ..

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button