من بحر الصين الجنوبي إلى جنوب القوقاز تتنقل بليوسي حاملة في حقيبتها الكثير من الملفات التى تهم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية؛ فبعد زيارتها المثيرة للجدل إلى تايوان، والتى وصفتها الصين بأنها زيارة استفزازية وعدوانية وخلقت أزمة كبيرة بين البلدين، أرادت أمريكا تأكيد دعمها لتايوان، وتعزيز الاعتراف بها وإبراز أهميتها بالنسبة إلى الاستراتيجية الأمريكية وتوجيه رسالة تحذير إلى الصين من أي خطوة تهدف إلى ضمها الصين كما كانت تأكيدًا على الرؤية الأمريكية من أن بحر الصين الجنوبي هو مياه دولية وليس جزءًا من السيادة الصينية، وأن التقارب مع روسيا هو تهديد مباشر للهيمنة الأمريكية في العالم بسبب هذه الزيارة دخل العالم في أزمة خطيرة، كادت أن تؤدي إلى حدوث مواجهة بين القوتين إلا أن الصين كانت أكثر ذكاءً من روسيا ولم تحاول غزو تايوان وضمها إليها باعتبارها جزءًا من الصين فكانت سياسة الاحتواء هي الحاضرة في الأزمة بين البلدين تطبيقًا لنصيحة المنظري الأمريكي هنري كيسنجر الذي أكد على ضرورة احتواء الصين والحد من زيادة نفوذها العالمي.
أما زيارة بليوسي إلى أرمينيا فتزامنت مع اندلاع المواجهات المسلحة بين أذربيجان وأرمينيا وخرق الهدنة بين البلدين وهو الصراع الذي قد يؤدي إلى فتح جبهة جديدة في الخاصرة الروسية تماشيًا مع الحرب الروسية _الأوكرانية في آسيا الوسطى.
الولايات المتحدة الأمريكية تتواجد حاليًا في المحيط الأوراسي الحيوي لروسيا تطبيقًا لنظرية برينجسكي (الحفر أسفل الجدار)، والتى كانت سببًا رئيسًا في تضييق الخناق على الاتحاد السوفيتي السابق، والتى أدت إلى انهياره لاحقًا هذه النظرية تهدف إلى خلق التوتر والأزمات في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وخنق روسيا من كل الجهات وضرب النظرية الأوراسية للمنظر الروسي ألكسندر دوغين والتى اعتبر جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق جزءًا من المجال الحيوي الروسي، وهي السياسة نفسها التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينيات من القرن الماضي والتي أخرجت دول أوروبا الشرقية من دائرة النفوذ السوفيتي.
إن الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى ودول القوقاز أدى إلى خلق الحروب والأزمات على مشارف الجدار الروسي؛ بغية تحجيم روسيا ومحاصرها والحد من تطلعاتها في منافسة أمريكا في لعب الدور العالمي، وما الحرب الروسية – الأوكرانية إلا جزءًا من هذه الاستراتيجية الأمريكية.
روسيا الآن غارقة في المستنقع الأوكراني، وتخوض حرب استنزاف لا نهاية لها، ووقعت في الفخ الأمريكي والأوروبي.
إن أمريكا تحاول بشكل جنوني منع روسيا والصين من منافستها في الهيمنة العالمية ولا تسمح بتغير النظام الدولي القائم على الأحادية القطيبة، وترفض أي تغيير في الهرمية أو التراتيبة العالمية، ومن هنا كانت جولات بليوسي من تايوان على مشارف بحر الصين الجنوبي إلى أرمينيا في الجنوب القوقازي.
* زياد الضاري- باحث في الشأن السياسي