من أهم أهداف رؤية السعودية ٢٠٣٠ تنويع مصادر الدخل العام بعيدًا عن النفط، وتحقق ذلك خلال خمس سنوات فقط، عندما ارتفعت مساهمة الصادرات البترولية من أكثر من ٩٠ بالمئة في ٢٠١٥ إلى أقل من ٥٠ بالمئة في ٢٠٢٠. ورغم التوقع بتغير هذه المعادلة خلال العام الحالي، نتيجة لصعود أسعار النفط لأسعار قياسية، إلا أن الزيادة المرتقبة لدخل المصادر الأخرى تضاعف أيضًا نتيجة لسياسات الاستثمار المباشر في الأسواق الدولية والمحلية، والتي أثمرت، خاصة خلال فترة كورونا، عن أرباح عالية، وزيادة إيرادات الضرائب والرسوم والصادرات الزراعية والصناعية والمعدنية؛ إضافة إلى الخدمات اللوجستية والسياحية والأنشطة التجارية.
ومن الأهداف الاستراتيجية أيضًا أن تصبح المملكة ممرًا دوليًا، بريًا وبحريًا وجويًا ورقميًا، ومنصة لوجستية وتجارية وخدماتية دولية. يساعدها في ذلك موقعها الاستراتيجي بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وإطلالتها الطويلة على الخليج العربي والبحر الأحمر، اللذين يشرفان على مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس.
ولهذا يتم الاستثمار المكثف في البنية التحتية التي تضم أكثر من ٣٠ مدينة صناعية، ومدينتين اقتصاديتين، مع خطط لإطلاق ٤ مناطق اقتصادية خاصة، قريبًا، وعشرات المدن المماثلة لاحقًا للتجارة الحرة البرية والبحرية، في موانئ ومطارات المملكة. إضافة للعمل على تحسين شبكات النقل، التي تتكون حاليًا من ٥٥٠٠ كيلومتر من السكك الحديدية، و١٠ موانئ، وقرابة ربع مليون كيلومتر من الطرق البرية الحديثة.
واستكمالًا لهذه الصورة، تعمل المملكة على إطلاق مبادرة متخصصة، لجذب سلاسل الإمداد العالمية، التي تركز على تعزيز كفاءته وتعافيها، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاعات المنتجات والخدمات الموجهة للتصدير.
وفي هذا السياق نقرأ إعلان وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر بن إبراهيم الخريف، خلال افتتاح فعاليات المؤتمر السعودي الدولي الثاني للحديد والصلب عن الفرص الاستثمارية في قطاع الحديد والصلب مع مستثمرين محليين ودوليين؛ تضمّنت ٣ مشاريع في طور التطوير بقيمة تقارب ٣٥ مليار ريال، وبطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ ستة ملايين طن، منها: إنشاء مجمع متكامل لإنتاج صفائح الحديد تقدر طاقته الإنتاجية بـ١.٢ مليون طن سنويًا، يستهدف بناء السفن وأنابيب ومنصات النفط وخزانات النفط الضخمة.
وفي نفس الإطار تأتي تصريحات وزير الاستثمار السعودي، المهندس خالد بن عبد العزيز الفالح، بأن تكلفة إنتاج الصلب في المملكة في الوقت الراهن منافسة جدًا مقارنة بالتكلفة العالمية؛ بسبب توفر الغاز الطبيعي والكهرباء منخفضَيْ التكلفة. واستمرار ذلك مستقبلًا نتيجة التوسع في استخدام التقنيات منخفضة الكربون، التي تستفيد من التكاليف المنخفضة للطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر.
جدير بالذكر، أن توقعات البنوك الدولية تشير أن السنوات القادمة ستشهد فائضًا في الميزانية العامة، بعد قرابة عقد من العجز المالي، ورغم أن لارتفاع أسعار النفط دورًا في ذلك، إلا أن النمو المتسارع للقطاعات الأخرى يشير إلى قدرة الاقتصاد على تحقيق أهم أهداف الرؤية قبل نهايتها في ٢٠٣٠، ويعود الفضل في ذلك لتصحيح المعادلة الأزلية القائمة على سعر البرميل وكمية إنتاج النفط.
* أستاذ بجامعة الفيصل