المقالات

سوانح نقدية.. عرش الإبداع وسُدّة الإمتاع

استمتعت طوال أربعة أيام، بقراءة سِفرٍ نقدي معرفي إبداعي إمتاعي متكامل، جاء متوشحًا الدقة والفائدة والجمال، وخرج لنا برؤية نقدية جديدة مفادها أنْ آن للنقد أن يتربّع عرش الإبداع ويتسنّم سُدّة الإمتاع ويهيمن على الإثراء والمعرفة ليكون لنا علمًا ثريًا تكامليا مشبعًا ..

سوانح نقدية جاء متنوعًا في موضوعاته، أنيقًا في تنقّلاته بين كل موضوع وآخر..

– ابتدأ الكتاب بالبحث والتنقيب حول روايتين تتحدثان عن حقبة ظرفية لها تأثيرها البالغ على الزمان والمكان والإنسان وقبل كل هؤلاء كان تأثيرها على الأدب والثقافة، حيث أدب مابعد الاستعمار الذي تحدث الكتاب عنه بما يشفي كل جهل ويروي كل شغف، ممثلا لذلك بروايتي موسم الهجرة إلى الشمال للأديب السوداني الطيب صالح، والحي اللاتيني للكاتب اللبناني سهيل إدريس، لفتني كثيرا تنوع الدراسة واشتمالها على كل ما يثري الدراسة و يفيد القارئ وينشر الوعي حيث المقدمة عن نظرية مابعد الاستعمار وارتباطها بالاستشراق والمفاهيم حول رواية مابعد الاستعمار ونماذج من روايتي موسم الهجرة والحي اللاتيني والمقارنة والموازنة بينهما، لنخرج بدراسة نقدية تطبيقية نوعية ماتعة ..

-ثم انتقل بنا الكتاب إلى عنوان آخر محفوف بالكثير من الإثارة والتجديد والإبداع والتشويق، حيث العجائبية في الرواية السعودية ونموذج رواية أم الصبيان للأديب الجازاني إبراهيم مفتاح ورواية المنهوبة للأديب عواض العصيمي، لنرى أنفسنا أمام معجم معرفي جديد عن العجائبية وخصائصها وتقاطعاتها مع الغرائبية والخيال والواقعية السحرية، ثم نماذج تطبيقية من الروايتين واستخدام مشرط النقد عليهما بأساليب إبداعية إمتاعية مقنعة..

-العنوان الثالث تطرق السيرة الذاتية وإشكالاته مع التجنيس ودخوله على غيره من الأجناس، حيث نقف على نموذج يحكي هذا الارتباك الواضح وهذه الإشكالية الجليّة عبر عمل الأديبة ليلى الجهني ( ٤٠ في معنى أن أكبر ) والتي من خلالها أورد الكتاب نماذج تطبيقية تطلع المتلقي على حساسية هذا التداخل وكيف أن العمل خرج في كثير من منعطفاته عن كونه عملًا ( سيريا ) إلى مذكرات اعتراف ومجال للبوح وسرد المشاعر حول تخوفات منعطف الأربعين وتوجسات ما بعده ..

-ثم اختتم الكتاب موضوعاته بالحديث عن الغربة والاغتراب في رواية سمراويت للكاتب الإريتري المتميز الأديب حجي جابر، ومرة أخرى نقف على جرعات معرفية إثرائية نقدية ماتعة، حيث ماهية الغربة والاغتراب الدلالات والمفاهيم..

كل الشكر للكاتبة الراقية والناقدة المبدعة الدكتورة سميرة الزهراني على هذه السلّة النقدية الأدبية المعرفية الماتعة، والتي نرجوا أن نرى غيرها الكثير من الكتب والنتاجات النقدية الأدبية التي تقرب النقد من العامة وتسهل تداوله بين الجميع حتى لاتكون رهينة المناقشات الجامعية وحبيسة الأرفف في المكتبات والنوادي الأدبية.

– باحث في الأدب والنقد بجامعة جازان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى