إيوان مكة

رفيقة دربي…

في رثاء زوجتي أم أحمد مستورة بنت أحمد الكريشان رحمها الله

يمرُّ الصباحُ ويأتي المساء
وتمضي الحياةُ ويمضي النَّمَاء

وفي كلِّ يومٍ نرى مَولِداً
ونفرحُ في ساعةٍ من صَفَاء

يشبُّ الصِّغَارُ، يشيبُ الكبار
بظلِّ السَّعادةِ أو في شَقاء

نرى الكائناتِ بأطيافِها
وفيها ازدياد وفيها نَمَاء

وكلٌّ لهُ أجلٌ ثابتٌ
ولا بدَّ أن يعتريهِ الفناء

ومهما تطاولَ عمرُ الفتى
له أجلٌ ثابتٌ وانقضاء

رفيقةُ دربي نشَأنا صِغَاراً
بقريتِنا في دروبِ العناء

حياةُ كفافٍ، حياةُ كفاحٍ
بِشُحِّ الخريفِ وبردِ الشِّتاء

نعيشُ جميعا بحدِّ الكفافِ
ونفرحُ إن جاء زادٌ وماء

ونفرحُ في العامِ إن جاءنا
مع موسمِ العيدِ بعضُ الكساء

بكدٍّ نُوفِّرُ حاجاتنا
وإنتاجُنا فيه شبهُ اكتفاء

وعشنا كما عاشَ أسلافنا
ولم نعرفِ الغازَ والكهرباء

وبعد الزواجِ مضينا معاً
بجهدِ المُقِلِّ نُشيدُ البناء

وجاء الصِّغارُ وكنَّا بهم
سعيدين إذْ أصبحوا أسوياء

وطرنا إلى الغربِ في بعثةٍ
يسيّرُنا خوفُنا والرَّجاء

إلى بلدٍ فيه ما يُرتجي
من العلمِ أو تقنياتِ الفناء

بلادِ التحضّرِ والناطحاتِ
بلادِ العلومِ وغزو الفضاء

وبهرجُها يَسْحَرُ الناظرينَ
وجوهرُها زائفٌ أو خُواء

بلادٌ بها سادةٌ سادِرُون
وفيها عبيدٌ وفيها إمَاء

بها المالُ أصبحَ صنوَ الإلهِ
ويُعبدُ في صُبحِهم والمساء

بلادٌ لها منظرٌ باهرٌ
ويُخفي بداخلِهِ ألفَ داء

وأمراضُهُ في حنّايا النُّفوسِ
تعيشُ بلا حِشْمَةٍ أو حياء

وكنتِ لنا العونَ في بيئةٍ
يواجهُ فيها الغريبُ الجَفَاء

وعُدنا إلى أرضِنا غانمينَ
بين الأحبَّةِ والأصدقاء

رجعنا إلى بلدٍ شامخٍ
لأرضِ النبوةِ والأنبياء

إلى بلدٍ قلبهُ نابضٌ
وفيه الشهامةُ والأوفياء

وسرنا معا في طريقِ الكفاحِ
فَطَوراً عناءٌ وطوراً هنَاء

ويكبرُ أولادُنا بيننا
مصابيحُ نقبسُ منها الضِّياء

مفاتيحُ للخيرِ أنّى مَضَوا
يسيرون في زمرةِ الأنقياء

نراهم وهم يبلغونُ النجاحَ
بعيدينَ عن سيرةِ الأغبياء

بعيدينَ عما يُزيلُ العقولَ
ويمضي بهم في طريقِ الشَّقاء

وكانوا لنا زهرةً للحياةِ
ففيهم صلاحٌ وفيهم رَجَاء

وساروا على منهجٍ واضحٍ
بجسِّدُ ما يفعل الأتقياء

بَنَوا أسراً تقتدي بالرسولِ
وتتبعُ منهجهُ باعتناء

رفيقة دربي مشينا سوى
ومن حولنا الناس ليسوا سواء

وكنتِ الضِّياءَ الذي نورُهُ
يُجسِّدُ كيف يكونُ العطاء

نهايةُ مشوارِنا موطنٍ
يقدم للظامئين الرُّوَاء

وزمزمُ فيها، وفيها المقامُ
مشاعرُ منها يشعًّ الضِّيَاء

وأنوارُها مثلُ شمسِ الضًّحى
بداياتُهَا خَلوةٌ في حِرَاء

مضى هديُهُ في جميع الدروبِ
وفيه الهِدَايةُ، فيه الشِّفاء

نزلنا بمنزلِ خيرِ الورى
وقُدوةُ من يرغبُ الاقتداء

رفيقةُ دربي دهتِك الخُطُوبُ
تعاورَ جسمَك همٌ وداء

ولكنَّ رُوحك لم تنكسر
تناجي الذي عرشُهُ في السَّماء

ففي يدهِ وحدُهُ أمرُنا
وفي يدهِ داؤُنا والدَّوَاء

وما قدَّرهُ وحدهُ كائنٌ
لهُ الأمرُ والمنتهى والقضَاء

تسيرين قبلي إلى غايةٍ
لدارِ الخلودِ لدارِ البقاء

وما الكائناتُ سوى رحلةٍ
نهايتُها كلُّها للفناء

وللناسِ في المنتهى موئلٌ
فإما نعيمٌ وإما عَنَاء

ففي جنةِ الخلدِ أهلُ النعيم
وسُعِّرتِ النارُ للأشقياء

فيا ربِّ ترحَمُ أحبابَنا
وتعفُو وعفُوُكَ خيرُ الجزاء

االرياض4/4/ 1444هـ

أ.د.عبدالرزاق حمود الزهراني

أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام سابقًأ رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع سابقا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    واسعد الله صباحكم
    نساله الله لها الرحمه والمغفره ولكم يادكتورواسرتكم الكريمه حسن العزاء والحياة السعيده بصحه وعافيه
    كلام وفاء وفخر منك لريفقة الدرب رحمها الله صح لسانك وعلاشانك

    اخوك عيضه الرميح ابوزياد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى