المقالات

الهجر الجميل

لقد أصبح التدابر والهجران آفة من الآفات المنتشرة في هذه الآونة لأسباب تختلف من شخص لآخر، فهذا يقاطع أخاه ويهجره لاختلاف في الرأي، وآخر يقاطعه بسبب معصية وقع فيها، وثالث يهجره لأنه يراه مبتدعاً، وغير ذلك من الأمور التي يتخذها البعض مطية لهجره وتدابره مع إخوانه، والغريب أن جميعهم يلبس هجرانه رداء الدين، وإن سأله أحد عن دليل يعضد موقفه تراه يتحدث عن هجران النبي صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين خلفوا، وهجر المرأة الناشز في الفراش وحديث كثير من العلماء عن هجر أصحاب البدع؛ وغير ذلك من الاستدلالات التي توضع في غير موضعها.
والحق أن الأصل في التهاجر هو المنع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) وهو حديث متفق عليه.
فمن يهجر أخاه المسلم لغرض من أغراض الدنيا؛ خصومة أو تعالياً أو غير ذلك يعرض نفسه للوقوع في الذنب والمعصية ويضع نفسه فيما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومع شدة الزجر في هذا الأمر؛ أجازها الشارع في ظروف معينة، وبضوابط تضبطها لتحصيل المصلحة ونفي المفسدة؛ فقد أجاز الشارع هجر المرأة في فراش لزوجية إذا فشلت جهود الزوج في تقويمها بالوعظ والارشاد، وهو هنا ليس مقاطعة وهجراناً تاماً وإنما الهجران يكون في الفراش فقط، وقد أوضحته الآية الكريمة: (…. فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن….).
الهجر الجميل لا يكون بقطيعة الأرحام والنأي عن الخلان، الهجر الجميل يكون بالتغافل عن الزلات والإعراض عن الإساءة، لا لعجزك وإنما لقوة يقينك بأن الحقوق عنده سبحانه محفوظة والكرام الكاتبون يسجلون. وهناك ثلاث سلوكيات أشار إليها القرآن الكريم ووصفها بالجمال وكان يربي فيها النبي الكريم في زمن يشتد عليه فيه البلاء… فتتنزل عليه هذه التوجيهات الربانية التي تخالط شفافية النفس فتسمو بها من أن تعيش حياة أرضية لتسمو إلى روعة السماء وطهر السحاب. وحين نتأمل هذه التوجيهات: (الصبر الجميل) (الصفح الجميل) (الهجر الجميل). نجد أنها منظومة عقد لا ينفرط جوهره.
الصبر الجميل… صبرا لا جزع فيه ولا تسخط… صبر يشع بروح الإيمان بوعد الله والثقة به… صبر يبعث الأمل مع العمل… صبر الثبات.
ثم بعد الصبر صفحاً جميلاً لا أذية فيه أو تشمّت أو شعور بالكبر وازدراء الآخرين، صفح يجمع القلوب… صفح جميل يرشّد الخطأ ويعزز الصواب.
وبعد الصفح هجراً… هجر جميل… لا يعرف الحقد والضغن! هجر جميل… يزيد الحب حبًا… والوصل وصلاً! هجر جميل… يؤنس القلب ويزيد العمل.
وأخيراً تذكروا أن الدعاء هو الملجأ الآمن، والاستغاثة برب الأرباب ومسبب الأسباب تفتح لك القلوب المغلقة والأبواب المؤصدة.

د. نجوى بنت ذياب المطيري

دكتوراه أصول التربية بجامعة المجمعة - مجلس شؤون الأسرة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى