منذ انطلاق الثورة الصناعية (الأولى) أصبحت الصحة العامة للبيئة مهددة، فقد ازداد التلوث البيئي وانتشر في الأرض، فظهرت أمراض جديدة، وأصبحت حياة الإنسان في خطر، وهي نتيجة حتمية لما حدث في البيئة؛ لأن الإنسان هو ابن بيئته فما يحدث فيها تظهر نتائجها عليه، كما أن الحيوانات باتت مهددة فمنها ما انقرض وانعدم حضوره في عالم الحيوانات، ومنها ما هو على شفا حفرة انقراض.
حيث إن الطمع الذي سكن عقول رواد الثورة الصناعية لم يكن ضمن حساباتهم أن يحافظوا على صحة الإنسان أو الحيوان حينما شرعوا في بناء مصانعهم وجلب مواردها من البيئة كقطعهم للأشجار؛ وذلك بغية تحقيق مصلحة الفرد لا المحافظة على المصلحة العامة.
وطبقًا لعلماء الشريعة الإسلامية وأحكامها؛ فإن كلمة «الفساد» يشمل التلوث البيئي فالآية أوضحت أن الإنسان هو السبب وراء حدوث الأخطار البيئية، وحذرت الشريعة من فساد البيئة وتلوثها، وأن من يفسد البيئة يُعد آثمًا.
وعلى إثر ذلك بدأ رجال القانون والفقهاء والساسة المشرعون على اجتهادهم في معالجة هذه القضية الخطيرة من الناحية القانونية والمعالجة القانونية للحد من التلوث البيئي؛ وذلك بإلقاء مجموعة التزامات على الفرد والدولة لأجل حماية للبيئة.
فعلى الصعيد الداخلي، جاء في النظام الأساسي للحكم وفقًا للمادة 32 «أن تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها»، وجاء في قرار مجلس الوزراء رقم (142) وتاريخ 19/11/1413هـ، استراتيجية الدولة تجاه البيئة؛ حيث تضمن الأساس الاستراتيجي (العاشر) بخطة التنمية (السادسة) (1415-1420هـ) أهمية المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها، من خلال حماية البيئة وأنظمتها والمحافظة على خصائصها الطبيعية وتطويرها، وتحقيق التوازن الأمثل بين التنمية والبيئة وقاعدة الموارد الطبيعية، وقد اجتهد المنظم السعودي لتشريع عدة أنظمة منها النظام العام للبيئة لحماية الحياة الفطرية من التلوث.
وعلى الصعيد الخليجي؛ فقد صدر نظام التنظيم الصناعي الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي ونظام الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي الذي أقرته السعودية، وأصبح نظامًا داخليًا.
وعلى الصعيد الدولي صدرت عدة معاهدات تتعلق بالبيئة، ومن أهمها الاتفاقية الدولية للاستعداد والتصدي والتعاون في ميدان التلوث الزيتي لعام 1990م، واتفاقية التنوع البيولوجي، وبروتوكول قرطاجنة للسلامة الإحيائية التابع للاتفاقية، بالإضافة إلى اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها. وكذلك بروتوكول كيوتو، والذي يهدف الى خفض الانبعاثات الغازية، ثم جاءت اتفاقية باريس، والتي تضم أكثر من ١٩٥ دولة -والسعودية هي أحد أطرافها- وتعد هذه المعاهدة حديثة عهد ومهمة في الوقت ذاته حيث إن الهدف من الاتفاقية هو الوصول إلى تثبيت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يسمح للنظام البيئي بأن يتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ، وبالتالي يحمي الإنسان من خطر التلوث في الطقس والغذاء والماء، والسماح بالمضي قدمًا في إيجاد وخلق سبل للتنمية الطبيعية المستدامة.
وإن انطلاق مبادرة السعودية الخضراء كان متناسقًا مع الأنظمة الداخلية والخليجية وقرارات مجلس الوزراء والمعاهدات الدولية بشأن السياسة العامة للبيئة التي ذكرت فيما سبق.