“من يوجد هدفه في غرض واحد؛ سيكسب بلا شك القدرة على فعل أي شيء” كانت تلك الجملة الخالدة التي أطلقها المؤلف؛ والفيلسوف؛ والصحفي؛ والسياسي ورمز الإيثار والتضحية الوطنية الصادقة الزعيم الهندي غاندي هي نقطة انطلاقته نحو أهدافه كونه خلد اسمه كرمز وطني برز في تاريخ الحضارة الهندية خلال النصف الأول من القرن العشرين. تاركًا وراءه نماذج صادقة في مختلف تجارب الحياة، والتي تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الصبر ثمرته النجاح. والتفوق لتحقيق الطموح؛ ومواجهة المستحيل؛ وخوض غمار الحياة بكل جلاده!
والمتأمل في تاريخ أبو الأمة الهندية يرى أن طفولته المبكرة طبيعية ولا يتمتع بصفات متميزة عن أقرانه؛ حيث توفى والده وهو في سن السابعة وتولى أخوه الأكبر رعايته. وقام بتعليمه إلى أن وصل إلى المرحلة الجامعية حيث درس القانون والمحاماة وتمرد على مهنته التي لم يحبها لمعرفته بتلاعب بعض المحامين في بعض القضايا والقوانين؛ فقد قرر الابتعاد كونه رأى أن طريق النضال أفضل وأحب إلى قلبه من تلك المهنة التي لم توافق طموحاته ورغباته النضالية!
لقد عاش الزعيم الهندي حياة التقشف وحب الناس والبساطة، والتي كانت عنوانًا لمسيرة زعيم عانى كثيرًا لمحاربة المستعمر البريطاني وكسر التقاليد الهندية “برداء الحداد” مما جعله ينجح في صناعة التعددية كونه القائد والمفكر والكاتب والسياسي، ورمز النضال والبطولات؛ ومصدر الإلهام في حياة وذاكرة الشعوب!
نجح غاندي في أن يكون مستقيمًا في حياته حيث كان يقرأ لأوقات طويلة ولا يميل إلى نزواته، وبدأ حياته في قراءة النصوص الهندوسية بل إنه كان يرى أن النص الهندي القديم يحمل معاني الإنسانية وراحة الفكر والبال، وهو الإنسان الوطني الصادق، والمحب لوطنه وشعبه، وبالرغم من أنه من أسرة ميسورة الحال وجده، ووالده رئيس إمارة بور بندر تزوج وهو في سن الثالثة عشرة من عمره استجابة للتقاليد الهندية آنذاك إلا أنه عاش معاني الزهد ونبذ حياة البذخ حيث كان يقيم في كوخ بسيط صنعه بنفسه على ضفاف نهر “السابارماني” وأغلى ممتلكاته ثوب أبيض من القطن وصندل؛ ومكتب صغير الحجم؛ وكان يعتقد أن سبب وجود الفقر لأن الإنسان يأخذ في حياته أكثر من احتياجاته وهكذا هم العظماء يفكرون في الآخرين أكثر من أنفسهم!!
لم يرضخ غاندي إلى مغريات الحياة كون والدته شديدة التدين، وغرست في روحه أخلاق الهندوسية؛ حيث كان يتناول الطعام النباتي ومثالًا للتسامح وقريبًا للجميع والمؤمن بالمبادئ والقيم والثوابت والتغير السلمي على الاستعمار البريطاني الذي أحكم سيطرته آنذاك على دولته “الهند” وتبنى الأسلوب السلمي في النضال لنيل التحرر والحقوق!
بقي غاندي في جنوب أفريقيا ٢٢ عامًا وعمل عامًا واحدًا في مكتب محاماة، واهتم بمشاكل الطبقات الكادحة من الفلاحين والعمال وبعد عودته إلى الهند قرر في عام ١٩٣٢م الدخول في إضراب عن الطعام احتجاجًا على مشروع قانون يكرس للتميز الطبقي في الانتخابات الهندية مما دفع بالزعماء السياسيين آنذاك للتفاوض معه وزيادة عدد النواب وإلغاء نظام التميز الانتخابي؛ ومن المتناقضات أن الزعيم الهندي ورمز التغير كان عنصريًا حيث كان يرى أن السود هم أدنى من الهنود والبيض ويؤمن بنظرية العرق الأري، وكان يشبه حياتهم بالحيوانات ذات الذكاء المنخفض ورغم ذلك أقر واعترف بحقوق المسلمين في الهند، ودعا إلى ذلك معرضًا حياته إلى التهديد رغم أنه هندوسي وهذا من تناقضات شخصيته العجيبة!
تعاون مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى على دول المحور وشارك عام ١٩١٨ م في مؤتمر دلهي الحربي ثم انتقل إلى المعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين عامي ١٩١٨ م و١٩٢٢ م وطالب باستقلال الهند وسجن ٦ أعوام، وأفرج عنه في عام ١٩٤٤ م حيث لم تعجب بعض الفئات الهندوسية المتعصبة دعواته لاحترام المسلمين وفي ٣٠ يناير ١٩٤٨ م قتل بثلاث رصاصات عن عمر يناهز ٧٨ عامًا طاويا صفحة مناضل وبطل قومي ابتكر السلمية في كفاح الشعوب والجماعات المضطهدة التي تطالب بحقوقها!