المقالات

لغة البيان والشعر

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، لغة الضاد، لغة القرآن الكريم، لغة الإعجاز البياني والشعري، لغة العلوم والآداب لمدة تزيد على ستة قرون، يجب أن نعلم أن اللغة كائن حي، ينمو ويزدهر بنمو وازدهار من يحمل تلك اللغة، فاللغة العربية عندما كان العرب والمسلمون يقودون العالم، ويؤلفون ويخترعون، كانت لغتهم تؤثر في اللغات الأخري وتنتقل كلماتها إلى تلك اللغات، وقد انتقلت آلاف الكلمات من العربية إلى تلك اللغات في الشرق وفي الغرب، ولا أعتقد أن هناك لغة معتبرة لا تجد فيها كلمات من العربية، وهذا واضح في الإنجليزية والإسبانية، والفرنسية والفارسية والأردية.
ففي معجم المورد الذي وضعه منير البعلبكي وهو معجم عربي إنجليزي، وهناك نسخ إنجليزي عربي، وضع المؤلف في وسطه باللون البرتقالي عشرات الصفحات للكلمات الإنجليزية التي أصولها عربية، مثل كفن وكهف وياسمين والرياح الموسمية وعلية القوم، وكل الكلمات التي تبدأ ب AL أصولها في الغالب عربية.
ولكن مع تراجع إسهام العرب والمسلمين في الحضارة العالمية، وانتقال القيادة والريادة للغرب، رأينا أن لغات تلك الأمم بدأت تغزو اللغات الأخرى، فلا أعتقد أن هناك لغة في العالم اليوم ليس فيها كلمات من اللغات الغربية، وخاصة الإنجليزية، فأهل الاختراعات يضعون لها مصطلحات من لغتهم، وغالبًا ما تنتقل تلك الكلمات مع الاختراع عندما ينتقل إلى المجتمعات الأخرى، ونلاحظ أن في لهجاتنا اليوم الكثير من الدخيل مثل: الإنترنت، وكومبليت، وكومبيوتر، وريموت وغيرها…
رغم أن مجامع اللغة العربية بذلت جهودًا كبيرة لتعريب تلك الكلمات، مثل: السيارة والقنبلة والصاروخ والمذياع والدبابة، وحاولوا في بعض الأحيان أن تكون الكلمة العربية قريبة من الكلمة الأجنبية، مثل مشّين، وهي الآلة، وضعوا لها مكنة، مأخوذة من تمكن يتمكن تمكنا لأنها تساعد مستخدمها من التمكن من عمله بكفاءة أكثر، ومثله تكنولوجيا، وضعوا مقابلها تقنية مأخوذة من أتقن يتقن إتقانًا.
ولكن الكثير من جهود التعريب بقي مدفونًا في الكتب والقراطيس ولم يقدر له الانتشار، مثل كلمة شطيرة للساندوتش، وساندوتش اسم لشخص إنجليزي كان يذهب للصيد في البحر، ويبقى عدة أيام، فاخترع هذه الطريقة لإعداد طعام يكفيه لعدة أيام، مجمع اللغة عربها شطيرة، وهي شطر الخبر إلى شقين ووضع الجبن والمربى ونحوه بينهما، ولكن أحد الصحفيين علق على ذلك بسخرية، وقال: شاطر ومشطور وبينهما لحم طازج، فانتشر هذا التعليق أكثر من الكلمة التي وضعها مجمع اللغة العربية، وبذلك قضى على هذه الكلمة الجميلة التي تؤدي المعني بدقة أفضل من اسم واضعها الإنجليزي السيد ساندوتش.
بقي أن أشير إلى أن معظم ما نستخدمه في حياتنا اليومية من ألفاظ، هي ألفاظ فصيحة في أصلها ولكنها تعرضت للدمج مثل ماعليش، وأصلها ما عليه شيء، واللاش، وأصلها ألا شيء، وكويس تصغير كيس، وبتاعي واصلها متاعي وغيرها كثير..
وكثير من الكلمات التي كنا نستخدمها في حياتنا اليومية تلاشت بتلاشي استخدامها مثل أدوات الزراعة ومسمياتها، مثل: القُف، والقتب، والغرب، والمقاط، والجدوة وغيرها كثير، ولو كنا اهل اختراعات لنقل استخداماتها إلى ما يناسبها من المخترعات الجديدة.
اتمنى أن يكون لدى الجميع إحساس بأهمية لغة القرآن الكريم، وأن يسعى إلى المحافظة عليها والدفاع عنها، ومناصرتها، ومن ذلك أن يحاول ان يرتقي بلغته كتابة وإملاء وإعرابًا وأسلوبًا، وأن يحرص على استخدام الكلمات العربية قدر الإمكان، مثل مجموعات بدلًا من قروبات، والموقع بدلًا من اللوكيشن، والشبكة بدلًا من النت وغيرها.
وفقك الله الجميع لكل خير.

أ.د.عبدالرزاق حمود الزهراني

أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام سابقًأ رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع سابقا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ‫طرح مميز جمع بين الاستعراض التاريخي والاستقراء المعرفي للغة العربية في معركتها الدائمة بين المهادنة والسيطرة لتكون هي المهيمنة؛ مجاراة للحداثة في تحدٍ للتطورات وشمولية للمتغيرات، لتثبت أنها معجزة مبهرة على مر العصور، خالدة بخلود القرآن وشرف التعظيم!‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى