رحل عن دنيانا الفانية يوم الإثنين ٢٥ جمادى الأول ١٤٤٤هـ مربي الأجيال، وصاحب الابتسامة الصادقة التي لا تغيب عن محياه في أصعب الأحوال الشيخ الفاضل (عطا الله بن صالح العمري) الرجل الذي خدم العلم والتعليم سنين طويلة تجاوزت الأربعين عامًا، أنعم به وأكرم من رجل يفخر به الوطن، هكذا هم أنبل الرجال، الحكيم الحليم، المحب لوطنه، الذي لم يكن يعرف التصنّع والتسرع والحدة في القول، ولا التشدد والانفعال، ولم ينتهج أبداً سوى صفة التسامح والطيبة، والتواضع والصدق في الأقوال والأفعال.
بدأ حياته الوظيفية مدرسًا، فوكيلًا ثم مديرًا لعدد من المدارس في المرحلة المتوسطة في مدينة جدة، كان من أهمها مدرسة السعودية، وحسان بن ثابت ومدارس الإخلاص، واختتم حياته الوظيفية مديرًا لمدارس تحفيظ القرآن الكريم بجدة، سبحان الله ما أجمله من ختام مسك لأطيب حال.
كان رحمه الله شخصية استثنائية يحبه الصغير والكبير، وترك بصمات لا تُنسى في نفوس كل من تعامل معه، ونهل من علمه وحكمته، وتعلم من حُسن إداراته وحرصه على مصلحة طلابه، وإخلاصه في أداء الواجب المناط به سنين باسقات مثمرات لها هامة أشهر من رأس على علم.
وكان رحمه الله قدوة تقتدى في حُب العمل، والالتزام بما تتطلبه الوظيفة التعليمية من واجبات ومسؤوليات ليس فيها تهاون أو مجاملة وفِصال.
اليوم انتقل الحبيب إلى الرفيق الأعلى صاحب الابتسامة الساحرة التي دخلت القلوب بلا استئذان، ومات ذلك الإنسان المؤمن الصالح المتواضع الكريم الذي كان ديدنه حب الأهل، والأقارب والضعفاء والفقراء والمساكين، وبذل الخير والعطاء من أوسع الأبواب بلا منة ولا رياء، تالله ما أعظمها من صفات وما أنبلها من خصال!
الحبيب الذي كان ينثر الحُب في قلوب كل من عرفه وتعامل معه في شتى المواقف، وفي كل حين سيلقاه عند رب العرش أجرًا مضاعفًا بحول الله من حيث لا يحتسب.
وداعًا يا أبي يا أنبل الرجال أقولها بحزنٍ بالغ وألم عميق، أقولها غير مصدّقٍ بها دون حول ولا قوة إلا من التسليم بأمر الله في حزنٍ تراكم اليوم في صدري، وتعاظم وتنامى كالجبال.
رحل الهرم الذي كنت أستند وأعتمد عليه كلما دارت بي الدنيا، وضاقت بي تصاريف الأزمان والنفس والأحوال.
كم كنت أخشى يا أبي أن يأتي هذا اليوم وترحل عن دنياي، بل كنت أُمني النفس أن يطيل الله في عمرك بالرغم من أن كل المؤشرات الصحية في السنوات الأخيرة كانت مقلقة وغير مبشّرة عن صحتك حتى حدث ما كنت أتخوف منه كل يوم وأخشاه.
اليوم لن أجدك أمامي تفرح بقدومي لزيارتك، ولن أحظى برؤيتك التي كانت تمسح كل أحزاني، ولن أتبادل معك أجمل تعابير الحُب الصادق غير المشروط الذي كان يدفئ قلبي وينير دربي.
ولن أردد معك كسراتنا الشعبية القديمة التي كنت تطرب لسماعها وقولها:
(ماخطيت ما أحسب علي ذنب يوم الكلبشات تنصاني آمر علي الشريف حسين في سجن الإفرنج مسكاني)
ولن تردد على مسامعي مرة أخرى:
(بكيت وأبكيت من جاني حتى الحجر من بكاي لان)
لا لن تبكي يا والدي فها هو الابن سلطان القليطي ابن شيخ قبيلتنا يرثيك بقصيدة هتف فيها كل من أحبك يقول فيها:
يامن وداعك وداع فراق
وعليك فاضت مآقينا
وسطرت بيض الأوراق
آهات فيها تعازينا
ترثيك من وجد ماينطاق
بين الحنايا يبكينا
يارمز ياطيب الأعراق
ماغير ذكرك يواسينا
لقد كان تاريخك معنا نحن أسرتك الصغيرة عنوانًا للعطاء الذي لا ينضب، وصورة مشرقة دافئة لشلال الحُب والحنان لا نرتوي منه مهما ظللنا نرتوي منه ونشرب.
الكل منا لك معه قصص ومواقف خالدة في الأعماق، وكم كنت أنا محظوظ بقصصك ومواقفك معي.
في طفولتي كنت مريضًا فتنقلت بي بين المستشفيات تبحث عن علاجي، وكلما جاء طبيب زائر ذهبت بي إليه حتى شاء الله أن يمن علي بالشفاء ولم تكن تكلّ ولا تملّ بحثاً عن علاجي حتى تحقق لك ما كنت تدعو الله إليه ليلاً ونهاراً.
درسّتني في أرقى المدارس، واخترت لي مدارس الثغر النموذجية التي لم يكن من السهل الانضمام إليها، لكنك اخترتها لي ورأيتَ استحقاقي لها لأنك كنت تراني بكرك المدلل.
وساعدتني ودعمتني أن أتزوج في ريعان شبابي وأنا لا أملك شيئاً ثم اجتهدت في توظيفي في الخطوط السعودية بوظيفة مناسبة أجني ثمارها حتى اليوم.
لم تكن تبخل علينا بشيء أبداً، ورافقت بناتك في مدن المملكة كلما لاحت لهم في الأفق فرصة وظيفية سانحة، ورافقت بعضهن إلى خارج المملكة لإكمال تعليمهن حتى استطاعوا الحصول على درجة الدكتوراة والماجستير في تخصصات مهمة.
هكذا كنت يا أبي في حياتنا قدوة فذّة وشخصية عظيمة، وفارس قرر أن يترجل ذات يوم عن فرسه.
حزين لفراقك يا أبي لكن ما خفف لوعتي منظر المئات من محبيك الذين صلوا عليك بعيون دامعة، وأكف بالدعاء إلى رب العالمين ضارعة، وودعوك الوداع الأخير الذي تستحقه إلى رب كريم لا تخفى عليه خافية.
كنت أعرف يا أبي حجم الحُب الذي يكنه الكثير لك لكن ماشاهدته بعد موتك من تفاعل ومواساة وحضور لم يكن يخطر لي على بال، وهذا لعمري آخر الدروس التي تعلمتها منك، فلله درّك من أب ومن معلّم ملهم حتى بعد وفاتك ازرع تحصد ذلك هو الدرس العظيم الذي شاهدته بعيني نيابة عنك، وتعلمته منك بالصوت والصورة يا حبيباً رحل عنا عصراً حزيناً قبل الزوال.
وداعاً يا أبي
تسأل الله أن يرحمك ويغفر لك، ويثيبك على كل خير فعلته لنا ولغيرنا، ويتجاوز عنك ويجبر كسرنا بفراقك ويسكنك فسيح جناته، وعزاؤنا أنك اليوم عند رب كريم حليم يحتفي بعباده الصالحين، ونحسبك منهم والله حسيبك وإنا لله وإنا إليه راجعون.
رحم الله المؤثر في تعليم الاجيال الاستاذ عطا الله بن صالح العمري داعيا الله إن يجزيه خيرا ويدخله فسيح جناته عن ما بذله خلال حياته في تربية أبنائه واحفاده واعداد اجيال كان لها الاثر في تقدم دولتنا الغالية.
وجزاك الله خيرا اخي حسن على ماذكرته من خصال والدكم يرحمه الله ومشاعركم حيال فراقه.
شكراً استاذي الغالي ابو هاني ، انت مدرسة للوفاء والأدب الجم وتعليقك الضافي يعبر عن معدنك الأصيل
عظم الله اجركم اخي العزيز ابا نواف، ورحم الله والدكم الشيخ الجليل والمربي الفاضل عطا الله بن صالح العمري رحمة واسعة وغفر له واسكنه الفردوس الاعلى من جنات النعيم و جزاه عن كل ما قدمه لوطنه و طلبته واحبابه خير ما يجزي به عباده الصالحين و عوضكم واهله وعشيرته ومحبيه خير العوض والهمكم الصبر والسلوان
وانا لله وانا اليه راجعون
شكراً لك يا كابتن سعد تعلمت منك فن التواصل يارائع التواصل اسأل الله ان يثيبك على كل ماذكرته بحق والدي