المقالات

كوريا الشمالية: التحدي الأكبر لواشنطن

يواصل “كيم جونغ أون” تطوير القدرات النووية لبلاده مستغلًا فرصة انشغال الغرب بالحرب في أوكرانيا، والمنافسة مع الصين، وعدم الاستقرار في إيران، واضطرابات الشرق الأوسط، وغيرها من تحديات السياسة الخارجية، مع احتمال إجراء تجربة نووية سابعة في القريب المنظور، في الوقت الذي تبدو فيه إدارة بايدن غير معنية بالتهديد الكوري الشمالي، وهو ما يطرح السؤال: لماذا ينصب الاهتمام الأمريكي على البرنامج النووي الإيراني ولا يبالي بالبرنامج النووي الكوري الشمالي الذي يفوق بمراحل البرنامج النووي الإيراني؟ ويترتب على هذا السؤال سؤالًا آخر أكثر إلحاحًا: هل المنافسة مع الصين أهم من كبح جماح الخطر الكوري الشمالي النووي والصاروخي؟ ثم أو ليست كوريا الجنوبية هي الداعم الرئيسي للبرنامج النووي والصاروخي الإيراني؟… إذن لماذا تتجاهل واشنطن كل تلك الحقائق، وهل ما زال نزع السلاح النووي الكوري الشمالي هدفًا إستراتيجيًا للسياسة الخارجية الأمريكية؟ يمكن أن تصدمنا الحقيقة بأن واشنطن والغرب قررتا الصمت حيال البرنامج النووي الصاروخي الكوري الشمالي حتى نجح نظام بوينج يانج في صنع القنبلة الذرية والهيدروجينية والصواريخ العابرة للقارات، ليس ذلك فحسب، بل ساعدت كوريا الشمالية إيران في تطويربرنامجها النووي، وذلك دون أن تتخذ واشنطن أي إجراءات مؤثرة تحول دون تحقيق نظام بيونج يانج لأهدافه.

ومن المعروف أن كوريا الشمالية لم ترضخ عبر سنوات طوال للحصار الدولي والعقوبات المستمرة منذ عقد ونصف، والضغوط الإقليمية غير المسبوقة لدفعها للتخلي عن سلاحها النووي، وأنه رغم المفاوضات والقمتين اللتين جمعت الرئيس الكوري الشمالي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أنه لم تتحقق أي نتائج إيجابية على هذا الصعيد، بل أن بوينج يانج كثفت من تجاربها النووية والصاروخية والتحرش بجارتيها اللدودتين كوريا الجنوبية واليابان، وإطلاق صواريخها الباليستية بالقرب من شواطئها. ومن المعروف أيضًا أنه سبق لكوريا الشمالية عام 2005 أن وافقت على التخلي عن برنامجها النووي والعودة لمعاهدة منع الانتشار النووي (ألغت كوريا الشمالية عضويتها في معاهدة منع الانتشار النووي عام 2003)، وتفكيك أسلحتها النووية، لكن أصبح من الواضح الآن أن السياسة الخارجية الكورية الشمالية تتسم بالمراوغة وأن المفاوضات الكورية الشمالية مع الدول الست (كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة والصين واليابان)، لا تقل صعوبة وتعقيدًا عن المفاوضات الإيرانية مع الغرب. وقد جاءت ردود الأفعال الأمريكية على التحرشات والاستفزازات الكورية الشمالية من خلال إرسال حاملات الطائرات إلى قرب شبه الجزيرة الكورية، وإجراء المناورات المشتركة مع كوريا الشمالية واليابان، وإطلاق التهديدات بين الحين والآخر، لكنها لم تصل إلى حد الإجراءات العملية الرادعة.

إن تخلى نظام “كيم” عن برنامجه النووي أمر يكاد يكون مستحيلًا؛ لأن وجود البرنامج النووي ضمانة رئيسية لبقاء نظامه في السلطة في المقام الأول، كما أن لدى كوريا الشمالية القناعة بأن التخلي عن برنامجها النووي سيجعلها فريسة سهلة لاحتلال أمريكي على غرار ما حدث للعراق 2003.

يمكن القول استنادًا إلى ما سبق أنه يبدو من الصعب التوصل إلى حل سياسي للبرنامج النووي الكوري الشمالي (عن طريق المفاوضات)، لا سيما في ظل دعم الصين لنظام بيونج يانج الشيوعي؛ حيث يمثل البرنامج النووي لكوريا الشمالية أحد الأوراق الرابحة للصين للضغط على إدارة بايدن في سياق الصراع المبكر المحتدم بينهما، كما أن الحرب الروسية – الأوكرانية رفعت من أسهم نظام بيونج يانج في تمتين العلاقات بينه وبين موسكو، وهو ما يجعل واشنطن تبدو مكتوفة الأيدي إزاء اتخاذ أي إجراءات حاسمة في المواجهة مع كوريا الشمالية، والعمل – بدلًا من ذلك- للحيلولة دون توصل طهران إلى انتاج السلاح النووي الذي يشكل تهديدًا مباشرًا على حليفها الأول في المنطقة وفي العالم: إسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى